لعب المهندس المصري العبقري محمود يوسف سعادة رئيس قسم الهندسة الكيميائية والتجارب نصف الصناعية بالمركز القومي للبحوث، دوراً بارزاً في تحقيق نصر حرب أكتوبر 73، والذي لولاه لما كانت شنت حرب أكتوبر من الأساس.
السوفيت يفتعل أزمة
قام الرئيس الراحل أنور السادات بطرد الخبراء السوفيت من مصر، في 8 يوليو سنة 1972م، حيث أن وجودهم في ذلك الوقت الحرج كان يتسبب بقلق على الصعيد الأمني لمصر.
وجاء رد فعل السوفيت على قرار السادات بطردهم من مصر، بوقف توريد الوقود للجيش المصري، وكان السوفييت حينها يشرفون على حائط صواريخ الجيش المصري.
وكان الزيت المستخدم في تموين صواريخ الدفاع الجوي من بين الأشياء التي امتنع السوفييت عن تصديرها لمصر، ومعنى عدم وجود وقود للصواريخ، يعني عدم استعمال صواريخ الدفاع الجوي في حرب أكتوبر، وكانت خطة السادات في حرب أكتوبر تعتمد اعتماداً كبيراً على الدفاع الجوي، ومن دون الوقود الخطة ستفشل وبالتالي ستفشل الحرب.
السادات يبحث عن حلول للأزمة
جن جنون السادات عندما علم بالأزمة، وعلى الفور عقد اجتماعاً عاجلاً لكافة قيادات الجيش، لمحاولة التوصل لحل الأزمة، خاصةً أن الموعد الذي حدده السادات لشن حرب أكتوبر لا يتبقى عليه سوى 4 شهور فقط، وبدأ الجميع يبحث عن مخرج من لتلك الازمة.
وكلف السادات، المشير محمد علي فهمي قائد قوات الدفاع الجوي، بإيجاد حل يخرج مصر من تلك الأزمة، ومن جانبه قرر المشير عرض المشكلة على المركز القومي للبحوث، لعله يجد لديهم أي أفكار أو حلول تخرجهم من تلك الأزمة، وهناك إلتقي بالدكتور محمود يوسف سعادة أستاذ قسم التجارب نصف الصناعية.
وطلب سعادة من المشير محمد علي فهمي، أن يترك له الأمر وهو سيحاول أن يجد الحل، وبدأ بالفعل الدراسة والبحث في كيفية صناعة وقود صالح للاستخدام.
دور محمود سعادة البطولي
وبعد شهر من التجارب والأبحاث والدراسات، توصل المهندس سعادة إلى حل للأزمة، ثم تحدث مع المشير محمد علي فهمي الذي طلب منه حضور اجتماع المجلس الأعلى للقوات المسلحة في يونيو 1973م، وشرح فكرته والحل الذي توصل له.
وكان قد تبقى القليل من الوقت على ميعاد الحرب الذي حدده الرئيس السادات، وبدأ الجميع يشعر بالتوتر، ومع دخول سعادة الاجتماع، بدأ سعادة في شرح وما توصل إليه لجميع الحاضرين في الاجتماع، وعلى رأسهم الرئيس السادات.
وكشف سعادة أنه نجح في استخلاص 240 لتر من الوقود صالح للاستعمال من الكمية المنتهية الصلاحية الموجودة بمخازن قوات الدفاع الجوي، وتم استيراد عينة من الوقود من إحدى الدول وقام الدكتور سعادة بفك شفرتها ومعرفة نسب مكوناتها واستيراد هذه المكونات من الخارج.
وإنبهر السادات بعقل وذكاء المهندس سعادة، وأمر المشير فهمي بإجراء تجربة عملية وشحن صاروخ بالوقود الجديد الذي صنعه البطل المصري، للتحقق من مدى صلاحية الوقود الجديد، وبالفعل نجحت التجربة بشكل كبير.
ونجح الخبراء المدنيين والعسكريين تحت إشراف سعادة في إنتاج 45 طنًا من وقود الصواريخ، وبهذا أصبح الدفاع الجوي المصري في كامل الاستعداد لتنفيذ دوره المخطط له في عملية الهجوم.
وبنى قادة الجيش قرار الحرب بناءاً على نجاح البطل سعادة في توفير وقود الصواريخ.
وقالت الدكتورة سعاد محمود سعادة، أبنة البطل سعادة، في تصريحات صحفية، إن الحل الذي توصل إليه والدها بالتعاون مع الجيش هو تكوين الوقود من العناصر المستخدمة فيه، والتي لم تنتهِ صلاحيتها بعد، والإستعانة بالمواد الخام المتوافر مثلها في مصر لإعادة تصنيعه من جديد، مضيفةً أنه تم توفير كميات هائلة من الوقود، الأمر الذي أدى في النهاية لخوض الحرب.
وتمكن الدفاع الجوى بعدما توفر الوقود، من إعادة حائط الصواريخ إلى الخدمة، وبعودة الصواريخ تم تدمير 326 طائرة إسرائيلية خلال حرب أكتوبر العظيمة والانتصار الكبير بها.
تكريم البطل سعادة
وتقديراً لدوره في حرب أكتوبر، كرمت الدولة الدكتور سعادة ومنحته جائزة الدولة التشجيعية تقديرًا لمجهوده الكبير في إنقاذ مصر من أكبر أزمة مرت بها.
وفاة البطل
وتوفي المهندس سعادة في عام 2011، وشهد جنازته عدد من العسكريين والعلماء، وسجل أسمه في التاريخ ضمن أبطال حرب أكتوبر دون أن يطلق رصاصة واحدة من سلاح في الحرب.