محمد حراز يكتب رحلة عذاب مسجد
المحلي .. ذلك الاسم الذي إن سألت عنه الأطفال في الشوارع، والتلاميذ في المدارس، والفلاحين فى الحقول، والصيادين على سفنهم بين الشِباك ووسط الأمواج، المحلي ذلك الاسم الذى إن سألت عنه الرجال والنساء لرأيت الدمع وهو يفيض شوقا وحنين إليه.
إنه مسجد سيدي علي المحلي، ذلك المسجد الذي تتعلق به القلوب وتهوى إليه الأفئدة، وتجلس بين أروقته قلوب العاشقين.
يعود بناء المسجد إلى عام ١١٣٤ هجرية – ١٧٢١ ميلادية، والذى أسسه العارف بالله سيدي “أبو الحسن علي المحلي” المولود بالمحلة الكبرى والذي عاش ومات ودفن برشيد عام ٩٠١ هجرية ١٤٩٦ ميلادية
يبلغ المسجد من العمر الآن ثلاثة قرون، وقد بدت عليه آثار الشيخوخة في بداية الألفية الثالثة حين ضربته المياه الجوفية بيد الإهمال والتقصير لسنوات هى فى عمر الزمن ليست بالقليلة؛ إلى أن جاء مشروع تطوير رشيد الذي أعلن عنه الرئيس الأسبق حسني مبارك، لتبدأ أعمال التطوير للمسجد الهَرِم؛ كى تمنحه قبلة الحياة من جديد. ومع بدء أعمال الترميم بالمسجد – 2008- تهللت الوجوه واستبشرت القلوب وبات الأمر حديث المدينة – على الرغم من البطء الشديد الذى شهدته أعمال الترميم بالمسجد – حتى كانت أحداث ٢٥ يناير 2011 ، فتوقف العمل بالمسجد بسبب الأحداث والظروف التى عاشتها البلاد فى تلك الفترة، ثم بسبب عدم توافر الاعتمادات المالية، إلى أن أعلن عن استئنافها ثانية ضمن خطة تطوير رشيد وتحويلها إلى متحف مفتوح للآثار الإسلامية والتى أعلن عنها فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي في مؤتمر الشباب بالإسكندرية عام ٢٠١٧
الظروف السياسية التي مرت بها البلاد والتى ترتبت على اندلاع أحداث ثورة 25 يناير؛ كان لها أثرا سلبيا كبيرا على سير أعمال الترميم بمسجد المحلى، حيث توقفت بشكل تام لمدة خمس سنوات متتالية قبل أن تستأنف تلك الأعمال في ٢٠١٦ والتى لم تستمر سوى لثلاثة أشهر توقفت بعدها مرة أخرى بسبب وجود مشكلة في تحرير العقد في مجلس الدولة ..
وقد انتهت هذه المشكلة إلى إبرام تعاقد آخر في عام ٢٠١٧، يقضى بانتهاء جميع الأعمال بالمسجد فى غضون ثلاث سنوات، بحيث يعود المسجد إلى فتح أبوابه للمصلين فى ٢٠٢٠، ولكن ونظرا لظهور بعض المشكلات المعقدة استحدثت أعمال جديدة فرضت نفسها على عملية الترميم ، مثل وجود خزانات “صهاريج” مياه أسفل المسجد، استلزمت حلولاً ليست بالهينة مثل دق خوازيق لحمل الأعمدة المهددة بفعل المياه الموجودة أسفلها.
تواصلت مع عدد كبير من المسؤولين عن الأعمال بالمسجد لنتعرف على أهم ماوصلت إليه أعمال الترميم به، وكم هي المدة الزمنية المرتقبة للانتهاء من الأعمال لطمأنة الأهالي فكان الإعتذار عن الإدلاء بأيَّة تصاريح هو سيد الموقف
لتستأنف الأعمال مرة أخرى مع وعد الأهالي بافتتاح جزء من المسجد لا يتعدي ٢٥٪ من المسجد لتظهر هنا الاعتراضات على الافتتاح الجزئي، وبدا التباين في الآراء بين مؤيد ومعارض لهذا الاقتراح
نزلنا إلى الشارع لنستطلع الآراء حول هذا المقترح؛ استمعنا إلى الأهالي من سكان حي المحلي، باعتبارهم العين التي عايشت ورصدت الأحداث منذ عام ٢٠٠٨ وحتى اليوم؛ قابلنا الحاج “ابراهيم غطاس” – تاجر- وسألناه عن قصة المسجد منذ بداية إغلاقه وحتى الآن فقال: “افتكر الكلام ده من سنين طويلة، وبنسمع وعود من كل مسؤول بيزورنا، وسمعنا وعود أكتر من كل نائب يجي ويقول ان في خلال ثلاثة شهور المسجد هايتفتح، واحسب انت بقى عدت كام سنه ولسه الحال على ماهو عليه”، ويكمل الحاج “إبراهيم غطاس” فيقول: “احنا اتربينا على روايحه الجميلة وصوت الشيخ الشهاوي والشيخ ادريس والشيخ عاشور، اتحرمنا من صوت الآذان، من الصوت الجميل الحاج أحمد سلام والحاج محمد مشكاح وعمري مانسي الشيخ سامي حمدين، يا استاذ محمد بلغ السيد الرئيس إن اشتقت للصلاة فيه قبل ما موت”.
وأضاف الأستاذ يوسف الديباني والذي ولد وعاش في رحاب مسجد المحلي عندما سألناه عن المسجد وعن إغلاقه طوال هذه المدة فقال : “المحلي بالنسبة لأهالي رشيد مع فارق التشبيه زي الكعبة بالنسبة للسعودية، الميت اللي منصليش عليه في المحلي أهله يخافوا أنهم معملوش معاه الواجب، ويضيف الأستاذ يوسف الديباني أنهم منذ أن قاموا بغلقه في ٢٠٠٨ ماتت الحالة الاقتصادية لسوق رشيد البحري، مسجد علي المحلي بيعتبر راحة نفسية للعليل، بمجرد دخوله المسجد وجلوسه جواه بينزاح عنه الغم والهم”.
ويكمل الأستاذ يوسف قائلاً : “أنا متأكد ان ملف سيدي علي المحلي لو تم عرضه على سيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي هاتنتهي الأعمال فيه كاملة خلال هذا العام” .
الأستاذ عادل جمال الفرس موظف قال: بالنسبة لافتتاح جزء من جامع المحلي بعد صبر ١٤؛١٥ سنه لامؤاخذة يعني أنا بعتبره تهريج؛ لأن ده شيء غير سليم بالمرة “الضغط الشعبي على السادة النواب” ضغط غلط.
يكمل الأستاذ عادل الفرس فيقول: أنا عندي أصبر سنه كاملة ونفتحوه مرة واحدة، تبقى الفرحة فرحة كبيرة بافتتاحه، علشان أفتحلي جزء، تلت ولا نص، وابص ألاقي ورا في طينة وفي مياه وفي شغل والناس تصلي ازاي، وازاي هاحط موكيت نضيف وازاي أصلي واطلع دورة المياه من خارج المسجد، كل ده مش مظبوط.”
ويضيف الفرس: “النهارده بقول الصبر جميل ناقص ٨ شهور على الأقل سنه يكون الجامع اتفتح بالكامل ويكون في احتفال كبير بافتتاحه وتبقى فرحة مرة واحدة، لكن علشان أفتح جزء مش هايكفي الناس، وكل الناس مشتاقة، لأن كل الناس هاتيجي مش هاتعرف تدخل كده مش مظبوط.”
الحاج “محمد أبو العلا” – تاجر أسماك- قال : “كملوا الشغل على بعضهُ علشان ده شرف لأبناء رشيد، كده مش شرف لهم، الشرف ان جامع المحلي يتعمل؛ ده بقالهُ ١٥ سنه، وقف حال الشارع ده كلهُ، اتوقف حالنا، كملوا الجامع ويبقى له افتتاح كبير، دا سيدي علي المحلي، اللي بيجي عليه ربنا بيخرب بيته، دا سيدي علي المحلي من أهل بيت النبي .. ياريت يا استاذ محمد.”
وبمجرد نشر التقرير تم إلغاء الافتتاح الجزئي، لتبدأ الأعمال على قدم وساق وشاهد الناس التحام الليل بالنهار لإنجاز الأعمال وافتتاح المسجد في أقرب وقت
وهنا يبدأ الصراع بين نواب مجلسي الشيوخ والنواب، لكن الصراع هذه المرة هو صراع من نوع آخر، صراع محمود لتدبير الأموال، فطرق كل منهما باب وزارتي الأوقاف والآثار، وسابق كل منهما الآخر للحصول على أكبر دعم مادي لاستمرار الأعمال
الحقيقة كان الأستاذ أمين جابر الصيرفى عضو مجلس الشيوخ الذي يلقبونه في رشيد بالأمين لأنه لم يكذب عليهم أبداً في تصريحاته، كام يدعوني لأكون بصحبته أثناء زيارته للمسجد وكان من الذكاء أن لا يحرج مسؤولا، فكان يلتقط الصور التذكارية بجانب الأماكن التي تيسير فيها الأعمال بشكل سلحفائي
الحقيقة لم أتواجد مع النائب الأستاذ هشام الجاهل في أي زيارة له بالمسجد أو غيره من الأماكن برشيد، لكن لا يمكن لصاحب القلم الحر أن ينكر دوره في نهو الأعمال بالمسجد.
دور اللواء أركان حرب ياسر مهنا رئيس مركز ومدينة رشيد الحقيقة وانت تراه في الشارع تحسبه أحد سكان حي مسجد المحلي وذلك لحرصه على أن تظهر كل تفصيلة برونق وجمال كامل، وكان إصراره في تجميل محيط المسجد وكل المداخل المؤدية إليه.
وحتى نعطي كل ذي حق حقه لا يمكن إنكار دور النائب السابق الأستاذ محمد عباسي عضو مجلس النواب فقد سعى الرجل كثيرا لاستئناف الأعمال بعد توقفها لسنوات، أما نشطاء المدينة وهم كُثر فلهم دور كبير في تحريك المياه الراكدة ومساعدة النواب والضغط عليهم للوصول بالمسجد لهذا الإفتتاح الكبير الذي تشهده المدينة بعد صلاة المغرب اليوم، والذي يحضره عدد كبير من التنفيذيين بالمحافظة وعدد كبير من كبار المسؤولين لوزارتي الأوقاف والآثار