محمد حراز يكتب.. حينما أكتب أَخلع نعليّ ..
حينما أكتب أَخلع نعليّ ..
وأنا مقبل على الكتابة أشعر بأنني مقبل على العبادة، عبادة من نوع خاص، نوع لايعرفه سوى الكُتَّاب، فأقوم بخلع نعليّ وأذهب للوضوء كأنني أتهَيَّأَ للصلاة، ثم أمسك بالمحبرة ليرتشف منها قلمي عبيره ويستنشق منها ترنيمته الجديدة، وإذا بالكلمات تأتيني وهي تتمايل على أنغام الرست ممزوجة بالعجم وكأن العود يدق بأوتاره مقام البياتي، ويعزف الناي مقام الصبا ليبدع في ترنيمة الخلود…
هكذا تعلمت من أساتذتي، وهكذا أكتب، فالكلمات عندي لها بريق الياقوت السربجندي، ولها أسنة أقوى من أسنة صلاح الدين، ولها رماح تحاكي رماح الأشتر النخعي.
كلمات لا تأتيني مرغمة، بل أنقب عنها في غياهب جب يوسف، وأبحث عنها في مقبرة؛ أخفى فيها بناة الأهرامات كنوز الملك مينا، ودفنوا فيها أسرار معرفتهم، وأنا بدوري أخرجها وأرتبها وأراجعها من جديد، وحتى أكون مختلفا، أحرك الساكن منها، وأُسَكنْ المتحرك فيها، وأهوي بشفرات القلم على رؤوس العبارات فتصبح أكثر رقة وأكثر عذوبة في عيون العاشقين، وتصير كالعبير الذي يفوح من مومياء كليوباترا، لتبدو للعاشقين ضياءَ يتلألأ في سماء المعرفة كأنها عنق نفرتيتي..