ساحة الرأيفن ومنوعات

محمد حراز يكتب “الشيطان التائب” الحلقة الثالثة 

 

لم تصدق دكتورة نهال أذنيها وهي تستمع إلى دكتور شهاب، فقد أصابها الذهول مما يقوله، فهذا الكلام الذي صدر من دكتور نظمي لم يكن شهاب معهم، فمن نقله إذاً وبالنص..

أدرك دكتور شهاب ما أصاب دكتورة نهال من حيرة، فقال: متستغربيش يادكتر دي متلازمة اسمها ليليث موجودة في عائلتنا من مئات السنين، كل جيل بيسلم جيل، متلازمة ليليث بتكون في واحد من الجيل التالي، تمام زي متلازمة ديجافو.

دكتورة نهال وقد استطاع دكتور شهاب إقناعها فقالت: صحيح .. فعلا متلازمة ديجافو ساعات الإنسان بيشعر أنه رأى أو عاش موقف بعينه، وان الموقف ده شافهُ قبل كده

شهاب: متلازمة ليليث موجودة في عائلتنا بصفة خاصة بتخلينا نسمع أي بني آدم يتكلم علينا سواء بالخير أو بالشر وكأننا موجودين معاه في نفس المكان والزمان

تضحك دكتورة نهال وتقول: كده الواحد يخاف منك يادكتر

هنا تتغير فسيولوجية وجه دكتور شهاب، فينظر إلى فنجان القهوة فيجد أمه تقول: احترس .. لا تغضب

ابتسم دكتور شهاب في وجه نهال ثم قال: انتي إنسانة طيبة وانا بحب أشوفك دايما

نهال تبتسم ابتسامة رقيقة ثم تقول: وانا كمان يادكتر

 

القصر

والشمس يميل قرصها للاحمرار وقبل الغروب بقليل دخل شهاب القصر فوجد أمه وشقيقه الأكبر أدهم في انتظاره، فسلم عليهما ورحب بهما ثم قال: ماهو سر زيارتكم هذه؟

أدهم: جئنا وللمرة الأخيرة نسأل، أما زلت على ما أنت عليه من الكُفر بجدنا الأكبر؟

شهاب: هل جئت لتعيد ماتحدثنا فيه آلاف المرات من قبل؟

أدهم: بل جئت بصحبة أمي هذه المرة لننذرك الإنذار الأخير..

شهاب ينظر إلى أمه ويقول في شموخ وكبرياء: أتسمعين مايقوله يا أماه؟

أدهم: دعك من أمك واستمع إلىًَ جيداً، لقد أقسم والدك بمقام جدك الأكبر، إذا ماصممت على ما أنت فيه من العناد والكفر، لن يَقْبَل منك توبة، ولن يكون لك مكانا بيننا؛ ولو أغويت مائة ألف ألف إنسان

شهاب: أماه …؟

وإذا بالعجوز تبكي: ياولدي .. ولقد أقسم الجميع على ذلك..

شهاب: وأنتِ….

العجوز: ياولدي لقد تقدم بي العُمر، وخارت قواي، وأصبحت لا أتحمل العقاب…

شهاب: إذاً أخبريهم يا أماه كيف حال من ذاق لذة السلام مع النفس…هنا يقاطعه أدهم قائلاً: دعك من العجوز، فما جاءت إلاَّ شاهدة فقط

العجوز: ياولدي ارفق بي وبنفسك؟

شهاب: أماه…..

أدهم لأمه: هيا بنا فلا فائدة مرجوّة منه، وليتحمل تبعات اختياره

 

المسجد

أثناء إلقاء الإمام لخطبة الجمعة لفت نظره كيف كان شهاب يتخطى الرقاب ليجلس في الصف الأول، كما شَغلتهُ لبضع ثوان طريقته وهو يتخلل الصفوف، لكنه لم يهتم للوساوس التي سيطرت عليه للحظات، وبعد أن فرغ من الصلاة سلم عليه قائلا: إيه الغيبة دى يادكتور شهاب قلقتنا عليك ياولدي

شهاب: الدنيا والمشاغل يامولانا

إمام المسجد: ربنا يثبتك على الإيمان ياولدي

شهاب: أيوة ادعيلي يامولانا .. لو تعرف أنا في صراع مع نفسي قد إيه، هاتدعيلي كتير، ضغوط لا يتحملها إنس ولا جان

إمام المسجد: الجن مقدور عليه ياولدي، فآية الكرسي تكفيك، أما الإنسان ربنا يبعدهم عنك ياولدي

شهاب: فعلا يامولانا، حتى الناس المثقفة اللي معايا فى الجامعة مؤامرات ودسائس وكذب وخداع .. قولي اعمل معاهم إيه يامولانا؟

فتلى عليه إمام المسجد قول الحق سبحانه وتعالى :﴿وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَّسْتُورًا وَجَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا ۚ وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَىٰ أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا﴾ صدق الله العظيم

وإذا بدموع شهاب تتساقط على وجهه فيقول له إمام المسجد: اثبت على ما أنت عليه فأنت بخير ياولدي

 

النادي

خرج شهاب بعد انتهاء محاضراته من الجامعة وتوجه إلى النادي، وما أن رأى أفراد أمن النادي سيارته تقترب من البوابة، إلا ونهضوا مسرعين لفتحها، فإن سخاء دكتور شهاب معهم لا يقارن بأحد، فهو يعطي عطاءً بلا حساب

رفع أحدههم يده وقدم التحية قائلاً: حمدالله بالسلامه ياسعادة البيه، إيه الغيبة الطويلة دي ياشهاب بيه اسبوع منشوفش حضرتك

شهاب: اخباركم إيه وحشتوني

أمن البوابة: طول ماحضرتك بخير احنا بخير ياشهاب بيه

يقوم شهاب بإعطاء كل واحد منهم مبلغا ماليا كبيرا، ويقول لهم: وسعوا على أولادكم، فأثنوا عليه وشكروه..

بجوار حمام السباحة تجلس دكتورة نهال ودكتور نظمى تحت شمسية زرقاء، فلمح دكتور نظمى شهاب وهو ينزل من سيارة ذهبية اللون فقال: مش دا شهاب يانهال؟

نهال: آه هوا

نظمي: الجدع دا بيجيب الفلوس دي كلها منين .. دا كل اسبوع بيغيَّر عربية

نهال تشاور لشهاب وتنادي عليه: دكتر شهاب

شهاب يرفع نظارته ال De Rigo

ويبتسم، ثم يشاور لها ويتجه إليهم

مساء الخير يادكتر نظمي مساء الخير يادكتورة نهال

نظمي ساخرا وهو جالس: انت عضو هنا

أراد شهاب إقحامه فقال: عضو شرفي عضويتي رقم (١) بيسموها العضوية الماسية

نهال وهي واقفة: أوه العضوية الماسية دي بمية وخمسين مليون، اتنين بس في مصر اللي منحهالهم النادي

شهاب: أنا رقم واحد من اللتنين

نهال: اتفضل اشرب معانا القهوة

شهاب: لو مكانش يضايق دكتر نظمي

نظمي: لا أبدا بس ممكن أسأل سؤال

شهاب: اتفضل

نظمي: انت بتجيب الفلوس دي كلها منين…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى