ساحة الرأي

محمد حراز يكتب السراب الحلقة الرابعة 

 

 

لاحظ طلاب كلية الآداب أن ثمة تغييرا طرأ على تصرفات زميلهم صلاح حيث بدأ يجالسهم ويتحاور معهم، ويشاركهم الجلوس والشراء من البوفيه، الأمر الذي جعل زميله جلال عبد العزيز يسأله: إيه دا كله يابو صلاح، ايه التغيير دا كله؟!

صلاح: إيه ياجلجل

جلال: بقينا بنتكلم وبنصرف بقينا حاجه تانية؛ صلاح اللي احنا عارفينه من سنه أولى، اللي كان واخد جنب لوحده، صلاح اللي كان ليدخل الكلية ويخرج من غير ماحد يحس بيه، بقينا حاجه تانية، ايه ياعم .. اللي اداك يدينا .. بس الصراحة .. كده أحسن ياراجل

صلاح: بصراحة لقيت نفسي بايخ ورزل .. قلت ياد ياصلاح انت في البيت لوحدك وفي الشغل لوحدك، وهاتبقى هنا كمان لوحدك، قررت أطلق الوحدة بالتلاتة، وقلت مبدهاش .. عيش بقى، واخرج واتفسح، وعلى رأي المثل اصرف مافي الجيب يأتيك مافي الغيب

جلال: خير ما فعلت ياصديقي .. ثم أخرج جلال سيجارتين من جيبه وقال: ولع يابو الصُلح.

صلاح: هنا في الكلية؟!

جلال ينظر إلى جهة اليمين، ثم إلى جهة اليسار، ثم قال وهو يضحك: الكلية .. فين الكلية دي؛ احنا هنا يابا في البوفيه، مش الكلية..

صلاح يأخذ السيجارة، ويقول: انت ممعكش غيرهم

جلال: ولع بس وهاتفرج يابو صلاح..

صلاح: ولع ياجلجل

يتظاهر صلاح بأنها المرة الأولى التي يدخن فيها فيكتم نفسه، ثم يكح بشدة

جلال: متكتمش نفسك وطلع الدخان من بقك ومناخيرك ثم يضحك .. طلع الدخان يابني متكتمش نفسك

يقوم صلاح بإخراج الدخان من فمه وأنفه بغزارة

جلال: أيوة كده يابو الصُلح .. حلاوتك.

صلاح وهو في انسجام تام قال: بقولك إيه..

جلال: إيه

صلاح: إيه رأيك أعزمك على السينما، ثم يغمز بعينه اليسرى ويقول له حفلة ٦، فيلم إنما إيه

جلال: سينما؟ .. فيلم مين

صلاح: ماجدة وعماد حمدي وعادل ادهم، ثرثرة فوق النيل

جلال: أنا بموت في عادل أدهم

 

بدأ صلاح فى الاختلاط بقوة وسط جميع فئات المجتمع، داخل الكلية وخارجها، متخذا من زميله جلال عبد العزيز بوابة المرور، بعد أن أغدق عليه بالهدايا، والعزومات من سينما إلى مطعم، ومن نادي إلى مقهي، من أحياء شعبية إلى وسط البلد..

كان صلاح يحرص على حضور جميع الحفلات التي تقيمها الجامعة، مما ساعده على التغلغل بصورة مكثفة بين الطلاب، وقد استغل الحفلات بصورة جيدة، فكان يلقي الكلمة حول الموضوعات الذي يريد إثارتها، ليبدأ النقاش بين الطلاب، والذي يحرص كل منهم على فرض وجهة نظره، وكانت أغلبها تمس أحوال الناس، من ظروف معيشية، إلى العلاج داخل المستشفيات، ومن الحديث عن مدى توفر السلع التموينية إلى القدرة الشرائية لدى المصريين.

لم يكن صلاح يشارك في الحوار، لا بالسلب ولا بالإيجاب كما طلب منه حاقان، فكان يلتزم الصمت، ويستمع بإنصات..

 

استطاع صلاح الحصول فى غضون أيام قليلة على قدر كبير من المعلومات، والتي كانت تنقل نبض الشارع المصري في بداية السبعينات بسبب حب المصريين للكلام.

بدأت الرسائل تصل حاقان بصفة مستمرة وشبه أسبوعيا، سيل من المعلومات تلقاها حاقان من القاهرة، حتى أصبح لصلاح مكانة كبيرة لدى الموساد..

 

ميدان الحسين في عصر يوم الأربعاء الموافق ٣١ مارس ١٩٧١ كان صلاح ينادي على بضاعته كالمعتاد، وإذا بشاب افريقي يقترب منه ويمسك ببعض القطع ويقلبها وكأنه يفحصها، ثم قال وهو ينظر لما بين يديه: حاقان يريد أن تنوع مصادرك، ثم سأله عن السعر وسط ذهول تام من صلاح: بكم هذه القطعة؟

ابتلع صلاح ريقه، ثم قال: ….. هذه بعشرة جنيهات..

انصرف الرجل، وترك صلاح في حيرة من أمره، ثم قال: تمام حاقان..تمام

 

بدأت مرحلة جديدة في حياة صلاح، فقد بدأ يتردد على جامعة عين شمس مستخدماً كارنيه يحمل إسم سعيد أبو المجد، طالب بالفرقة الأولى بكلية العلوم، فكان يدخل ويخرج دون أن ينتبه لحقيقته أحد، تعرف على الطلبة داخل الكلية، ثم ألقى بشباكه حول زياد المنوفى طالب الفرقة الثانية بكلية العلوم والذي اشتهر بأنه ببغاء الكلية، بسبب كثرة كلامه في جميع الموضوعات.

صلاح: أنا سعيد أبو المجد من الحسين

زياد: زياد المنوفي

صلاح: من المنوفية؟!

زياد: لأ من البحيرة .. لكن بعون الله اعرف المنوفية شبر شبر، ومصنع مصنع، وغيط غيط، دنا كمان عارف مكان المطارات الحربية، وكتايب المشاه وقواعد الصواريخ،و….

صلاح: أنا جعان .. إيه رأيك، ناكل في المطعم اللي قدام الكلية؟!

زياد: ناكل؟!

ثم تظاهر زياد بأنه نسى محفظة النقود، فقال أنا لسه فاطر..

صلاح: أنا عازمك يازز .. ياللا بينا.

إلى اللقاء في الحلقة الخامسة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى