محمد حراز يكتب السراب الحلقة الثانية
أصبحت مديحة بمثابة الأم والأخت لاسماعيل وياسر، لما يغمرونها من حب ورعاية وحنان، بعد أن أصبح اسماعيل هو العائل الوحيد لأسرته والقائم على رعايتها، من مأكل ومشرب ونفقة، كما أنه تكفل بمصاريف ياسر، حيث أنه أصبح في السنة النهائية بكلية أصول الدين بجامعة الأزهر..
فى شقتهم المتواضعة فوق السطوح، مديحة تضع طعام العشاء، حيث يجلس اسماعيل وياسر على الطبلية العتيقة..
اسماعيل يسأل مديحة: هو صلاح لسه مرجعش؟!
مديحة من داخل المطبخ: رجع .. غيَّر هدومه ونزل، قال اتعشوا انتوا، ولما سألته ليه، قال هايتعشى بره
ياسر: عايز أقولك حاجه ياسماعيل
اسماعيل: خير يامولانا
ياسر: قعدت امبارح مع اخوك صلاح واتكلمنا عن البلد، فالكلام جاب بعضه عن حرب الاستنزاف، وانها حرب ثأر وكرامة، مش للمصريين وبس لأ لكل العرب، لقيته قال كلام؛ مكذبش عليك خوفت عليه من نفسه
اسماعيل: ازاي
ياسر: اتكلم بنرفزة وعصبية، وصوته عِلى واتغير كده مرة واحدة، كأن ركبه عفريت، وقال ياعم ياسر احنا كان مالنا ومال فلسطين، دخلنا نفسنا في حروب وعداءات ملهاش ستين لازمه؟!
قلت له: احنا؟! .. ازاي .. حرب ٥٦، وحرب ٦٧، وقبلهم حرب ٤٨ احنا اللي بدأناها ولا هما؟!
متقولش الواد اسرائيلي، لقيت وشه اِحمرَّ واتنرفز اكتر وقال: تصدق بالله، أنا لو جاتلي فرصة أهج لاسرائيل والله لاغور من هنا….
اسماعيل: أعوذ بالله، هو كده من يومه، مالوش خير في أهله، هيكون له خير في بلده؟!
مديحة: ياللا ياحبايبي اتفضلوا، أنا حطيت المكوة على وابور الجاز، ولحد متتعشوا أكون كويت الجبة والقفطان علشان يبقوا جاهزين لبكره..
ياسر: ورحمة أبوكي ما هناكل غير وانتي قاعدة معانا، اطفى على المكوة وتعالي..
مديحة: حاضر ياخويا .. الله يرحمك يابا
نظر اسماعيل إلى مديحة وهي تطفي وابور الجاز فقال: الله يرحمه، كان كل شوية يقول اختك غلبانة، خلي بالك منها
ياسر: أنا بقالي تَلتْ سنين بطلع الأول على دفعتي .. السنادي ان شاء الله هاكون أول الدفعة، واتوظف وظيفة محترمة، ندر عليا ياخويا لاريَّحك من الشقا والتعب، وافتحلك محل تبيع وتشتري فيه، كفايه عليك كده….
يبتسم اسماعيل ويقول: قول ان شاء الله.. ياللا بسم الله..
بعد انتهاء العَشاء، يطلب اسماعيل من مديحة: اعملنا الشاي وتعالي علشان في موضوع عايز آخد رأيك فيه..
تبتسم مديحه وتنظر إلى الأرض فى كسوف وتقول: حاضر ياخويا
اسماعيل: شوف يامولانا .. عم طاهر الحلاق كلمني وطالب إيد اختك لمحمود ابنه، إيه رأيك؟!
ياسر: محمود ولد كويس موظف محترم في شركة الحديد والصلب في حلوان، عمرنا ماسمعنا عنه غير كل خير..
مديحة: اتفضلوا الشاي
اسماعيل: إيه رأيك فى الكلام اللي سمعتيه؟!
تبتسم مديحة في كسوف، وتقول: اللي تشوفه ياخويا
اسماعيل: يبقى على بركة الله، هاصلي العشا واعدي على أبو محمود في الصالون وابلغه ردنا، ألف مبروك ياغالية
ميدان الحسين
تحدث السائح التركي حاقان مع صلاح، وعرف انه يدرس في كلية الآداب قسم لغات شرقية، فقال: اللي زيك ممكن يكسب فلوس كتير في تل أبيب؛ الإسرائيليين بيحبوا الأنتيكات المصرية، والقطع الفرعونية جدا..
وكأن صلاح كان ينتظر مثل هذا الكلام، فلم يكذب خبر، فقال بصوت منخفض: بس مين هايساعدني أسافر اسرائيل، واحنا في حرب زي مانت عارف ياخواجه…
هنا شعر حاقان أنه أمام صيد سهل، فأعطاه كارت وقال: الكارت بتاعي، أنا نازل في فندق apple فى الدقي، معانا في الفوج صحفية تقدر تساعدك، لو حابب تقابلني، أنا موجود في مصر حتى نهاية الأسبوع، ثم انصرف حاقان مع باقي أفراد الفوج..
أمسك صلاح بالكارت وأخذ ينظر حوله، يمينا وشمالا، ثم رفع رأسه قائلا: أخيراً جاتلك الفرصة يابو الصُلح…..
لم يكذب صلاح الخبر، فذهب في المساء إلى الفندق، وسأل عن الخواجه حاقان، فأخبره موظف الاستقبال ان ينتظر قليلاً ..
بالفعل نزل حاقان وبصحبته فتاة فائفة الجمال، تدعى زاره، رحب به حاقان، وقدم له زاره قائلاً: اختي زاره، مراسلة صحفية تعمل بجريدة كبرى في اليونان
استلطف صلاح زاره وسلم عليها: سعيد جدا بكِ زاره
زاره: ميرسي
حاقان: صلاح اللي كلمتك عنه..
زاره: أووه … أهلا صلاح
حاقان: شوف ياصلاح أنا مش هلف وادور عليك، أنا هاكلمك بمنتهى الصراحه .. انا عرضت على زاره انها تساعدك في السفر، قالت انك ممكن تشتغل معانا!!
صلاح: هاتدوني كام
حاقان: مرة واحدة كده ..مش تعرف هاتشتغل إيه الأول؟!!
صلاح: متفرقش كتير، أنا موافق، بس بكام!!
زاره: مش ممكن حاقان .. مش ممكن، صلاح هايكون له مستقبل كبير معانا..
حاقان: إيه رأيك
زاره: ممتاز
استأذن حاقان بعد أن تظاهر بميعاد مع بعض أفراد الفوج السياحي، على أن يلحق بهما في فرع الجريدة، ثم أوصاها بالاهتمام به..
ذهبت زاره بصحبة صلاح إلى فرع الجريدة بوسط البلد كما أوهمته بذلك، والتي لا تعدو سوى كونها شقة خاصة، قدمت له كأس من الويسكي، تناوله على الفور، ثم طلب كأس آخر وشربه أيضاً، ثم سألها هل يمكنه تناول كأس ثالثة..
قالت: على الرحب والسعة كما تريد، ثم تركت له نفسها، كما تترك الزوجة نفسها لزوجها، ففعل كل شيء، حتى قام بمعاشرتها معاشرة الأزواج..
زاره: صلاح انت مش ممكن تكون مصري
صلاح: أنا مصري في حاجات حاجات، ضحكت زاره وضحك صلاح، ثم تواعدا على أن يكون اللقاء غدا في نفس المكان وفي نفس الميعاد
بعد انصراف صلاح، وصل حاقان إلى الشقة، سأل زاره: إيه رأيك .. هل سينفعنا زاره؟!
زاره: إن عاد غدا….
حاقان: وهل تعتقدين أنه سيأتي؟!
زاره: نعم سيعود .. فقد رأى ما لم يراه في حياته، وفعل ما لم يفعله من قبل…….
حي روض الفرج
صلى اسماعيل العشاء في مسجد السلطان أبو العلا ثم ذهب إلى عم طاهر داخل صالون الحلاقة الخاص به: السلام عليكم ورحمة الله يابو محمود
عم طاهر: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.. ياتلتميت مرحبا .. خطوة عزيزة ياغالي .. بسرعة يامحمود هات كوباية شاي
اسماعيل: شاي إيه ياعم طاهر .. انا جاي أقولك هانشرب الشرابات
محمود: يعني……..
اسماعيل: يامحمود أنا مش هلاقي شاب زيك يخاف على اختى الوحيدة واستأمنه عليها
محمود: الآنسه مديحه في عينيا
عم طاهر: شوف ياسماعيل يابني ان شاء الله هانزوركم أنا وام محمود الخميس الجاي
اسماعيل: بيتك ومطرحك ياعم طاهر واحنا كلنا ولادك
عم طاهر ينظر لإسماعيل ويقول: الله يرحمك يا عبد الفتاح، خلفت رجالة..
اسماعيل: استأذن أنا بقى
عم طاهر: مع ألف سلامه ياسماعيل يابني
الدقي
صلاح لموظف الاستقبال بفندق apple: لو سمحت الخواجه حاقان موجود؟!
إلى اللقاء في الحلقة الثالثة..