ساحة الرأي

محمد حراز يكتب السراب الحلقة الثالثة 

 

 

ذهب صلاح حيث كانت في انتظاره زاره ومعها حاقان، في الشقة الخاصة..

لم يشكل وجود حاقان أيَّة مفاجأة له، فقد كان يشعر أن حاقان يعلم ماذا سيحدث بعد استئذانه، بل كان صلاح يستشعر بأن زاره وحاقان يعملان لصالح الموساد، وربما يكونا من ضباط الموساد، وهذا أيضاً لم يكن يشكل له ثمة قلق.

صلاح يدق جرس الباب وإذا بحاقان يفتح الباب، فقال صلاح: مساء الخير ياخواجه..

حاقان: كنت متخوف من عدم مجيئك

زاره: مساء الخير صلاح .. كنت متأكدة من مجيئك

صلاح: وانا كنت متأكد انكم في انتظاري

حاقان: حيث كده بقى .. نتكلم بصراحة

صلاح: وانا بحب الصراحة..

حاقان: ندخل في الموضوع

صلاح: ندخل ياخواجه..

حاقان: احنا عايزينك تتعاون معانا

صلاح: سبق وقلت إن موافق

حاقان: حيث كده، عايز أقولك…..

هنا يقاطعه صلاح قائلا: عايز تقول انكم تبع الموساد وعايزينك معانا، وانا برضهُ موافق

ينظر حاقان لزاره ويقول: اللي زي صلاح خسارة يقعد يبيع تحف وانتيكات وقطع مقلدة؛ ثم ينظر إلى صلاح مسترسلا؛ اللي زيك ممكن يكسب دهب، خاصة وانك مش محتاج تدريب كتير .. انت جاهز للشغل علطول، لكن…..

صلاح: لكن إيه؟!

زاره: احنا مقدرين قدراتك واستعدادك للتعاون، لكن هانكلفك في البداية بأمور محدودة، لحين تجهيزك على أُسس علمية حديثة، ودا مش هايتم هنا بالطبع، احنا هانسفرك اليونان، وهناك ستخضع لبرامج تدريب، من أعلى وأحدث البرامج والتدريبات التي وصلت إليها أجهزة المخابرات العالمية، ودا من باب الحفاظ عليك، وكمان علشان تبقى جاهز للسفر لتل أبيب

صلاح: تمام

حاقان: أول حاجة تستخرج جواز سفر، مختوم من إدارة الكلية .. فى أجازة آخر العام تذهب لقنصلية اليونان، هيسألك موظف القنصلية عايز تسافر ليه، تقول له علشان اعمل قرشين لزوم مصاريف الكلية، أول ماتوصل أثينا، تركب تاكسي وتطلب منه يوصلك للعنوان ده، ثم أعطاه كارت مدون به العنوان

صلاح: لحد كده كويس، بس برضهُ معرفتش هاتدوني كام..

حاقان: من ناحية المرتب والمكافأت متحملش هم، احنا بنقدر الناس اللي بتشتغل معانا جدا، المهم تضع في اعتبارك أثناء حصولك على المعلومة، نقطتين فى غاية الاهمية، النقطة الأولى، انك تحصل على المعلومة من المصدر بدون إلحاح منك..

صلاح: النقطة الثانية؟

حلقان: متخليش مصدرك يشعر انك في احتياج للمعلومة، ما عليك إلاَ انك تفتح الموضوع، وتسيبه يتكلم.. وانت عارف المصريين بيحبوا يتكلموا كتير وفى كل شيء

صلاح: طبيعي وإلاَّ هاثير الشكوك حولي…

حاقان: براڤو عليك، ثم فتح شنطة كتف صغيرة وأخرج منها خمسمائة دولار، وقال: المبلغ دا على رأي المصريين تنعنش بيه نفسك..

أخذ صلاح المبلغ فقبله ثم قال: كده الشغل هايحلو

حاقان: انت في السنة الثانية في الجامعة .. صح؟!

صلاح: صح..

حاقان: عايزك بقى ترصد كل حاجة بتحصل داخل الجامعة، زملائك بيتكلموا فى إيه، الموضوعات اللي شغلاهم ومسيطرة على تفكيرهم، هموم الناس فى الشارع .. فى المواصلات .. فى الكنيسة .. فى المسجد، في كل مكان حواليك..

صلاح: لكن الكلام ده هايحتاج مصاريف كتير

حاقان: مش قلت لك من ناحية الفلوس متحملش هم

صلاح: طب شوف ياخواجه أنا عندي صديق إنما إيه؛ إيديه تتلف فى حرير، ممكن اخليه يعمل كام كارنيه أقدر أدخل بيهم أي مكان، دا غير كارنيه الكلية، لكن الموضوع ده هايكلفني مصاريف زيادة..

هنا أراد حاقان أن يختبره ويضعه في ظروف معينة، فاستخدم حاقان ملكاته، ليرى ردة فعله إذا ماتعرض لمواقف شبيهة، فتحول حاقان لإنسان آخر غير الذي يراه صلاح، فعقد حاجبيه، وكتم أنفاسه حتى احتقنت الدماء في وجهه، وغيَّر طبقة صوته ثم قال: مش قلت لك متحملش هم الفلوس .. انت إيه!!!

هنا تدخلت زاره بمكر الثعالب، ودهاء الذئاب فقالت: صلاح لم يقصد حاقان..

بالفعل ارتبك صلاح عندما شاهد حاقان على هذه الصورة، فقال: أنا مقصدتش ياخواجه..

أدرك حاقان مفاتيح شخصية صلاح، وعرف كيف يتعامل معه، فقال: شوف ياصلاح .. صحيح فكرة يبقى معاك أكتر من كارنيه لأكتر من جامعة فى وقت واحد، فكرة ذكية، وأنا بقدر الأذكياء، احنا بندفع مقابل اللي بنحصل عليه..

هنا أراد حاقان أن يرسخ لدى صلاح أنهم بالفعل يدفعون مقابل أي معلومة مهما كان حجم وقدر المعلومة فقال: فكرة يبقى معاك أكتر من كارنيه فكرة تستحق عليها مكافأة، ودول ٢٠٠ دولار لهذه الفكرة، ثم استأذن حاقان، لتخلو زاره به مرة اخرى..

لم يكن يشغل بال صلاح منذ مجيئه سوى كيف سيخلو بزاره في وجود حاقان، لم يترك صلاح هذه الفرصة فقد ملكت زاره احاسيسه، فبعد انصراف حاقان، فعل مافعله في المرة الأولى، فشرب أكثر من مرة، ثم قام بما قام به فى المرة الأولى..

قبل انصراف صلاح، أخبرته زاره انهم سيعودون غداً إلى اليونان بصحبة الفوج السياحي، وانهم سينتظرونه فى نهاية العام الدراسي، ثم أعطته عنوان المراسلة الذي سيراسلهم عليه..

 

بولاق أبو العلا

اصطحب عم طاهر زوجته، وولده، لقراءة فاتحة مديحة، واثناء صعودهم على سلم المنزل، قالت أم محمود: لسه فاضل كتير يابو محمود؟!

عم طاهر: دورين ياحاجه ونوصل…

أم محمود: طيب استريح شوية واخد نفسي..

نظر عم طاهر إلى زوجته ثم قال: صحيح الناس ساكنة فوق السطوح لكن، ناس طيبين .. من قماشتنا، بيرضوا بالقليل، وبيدبروا عيشتهم

ام محمود: ونعم الناس ياخويا .. ياللا ياحاج.

رحب اسماعيل بضيوفه: يا أهلا وسهلاً.. خطوة عزيزة .. احنا زارنا النبي ياحاجة، شرفتونا ونورتونا ياعم طاهر .. ازيك يا استاذ محمود

محمود: ربنا يبارك فيك ياسماعيل ويديم الود والمعروف

عم طاهر: الله يكرمك ياسماعيل يابني

ام محمود: اُمال فين العروسة، عايزة أشوفها…

ياسر: ياللا يامديحة هاتى الشربات وتعالى

تدخل مديحة تحمل صينية الشربات وهي تنظر إلى الأرض ثم اختلست نظرة إلى محمود وهي تبتسم، فقالت ام محمود: اللهم صلى على النبي .. بسم الله ماشاء الله .. يا أرض احرسي ماعليكي

مديحة: تقدم الشربات إلى عم طاهر: اتفضل ياعمي .. ثم مدت يديها بالصينية إلى اُم محمود: اتفضلي يانينه

أم محمود: ماشاء الله .. تبارك الله

ثم قال اسماعيل لمديحة: يعني هاتيجي على محمود .. دا احنا كلنا متجمعين علشانه…

فقالت مديحة بصوت لا يكاد يسمعه سوى محمود: اتفضل يا استاذ محمود……..

عم طاهر: أنا مش شايف صلاح؟!

وإذا بالجرس يدق فقال اسماعيل: آهو جه على السيرة…..

عم طاهر: ابن حلال مصفي………

قام ياسر ليفتح الباب، وإذا برائحة الخمر تفوح من فم صلاح، فقال: إيه الريحة دي؟!

صلاح: ريحه .. ريحة إيه؟!

ياسر: ما علينا، ادخل اغسل بُقك، ورش شوية كولونيا وتعالى .. أعوذ بالله..

اسماعيل: تعالى ياصلاح سلم على الضيوف

صلاح: حاضر هادخل الحمام وجاي.

اسماعيل لعم طاهر: معلش أصلهُ بيطلع من الجامعة على الميدان، يفضل واقف طول اليوم على رجليه .. انتوا عارفين العيشة، والدنيا غالية، آهو بيدبر مصاريفه..

عم طاهر: ربنا يابني يبارك فيكم، ويخليكم على حس بعض، الله يرحمه أبوكم .. خلف رجالة

اسماعيل: الله يرحمه

عم طاهر: طلباتكم إيه يا اسماعيل؟!

اسماعيل: شوف ياعم طاهر، بقى هالله هالله على الجد، والجد هالله هالله عليه.

فرد عم طاهر قائلا: واللي أوله شرط آخره نور..

اسماعيل: اختي مديحه عُمْر ماحد فينا زعلها أو مد إيده عليها، يوم ماتزعل جوزها أو تعصى له كلمة، ماعليك إلا انك تعرفنا يااستاذ محمود

عم طاهر: إن شاء الله عمرك ما هاتسمع عنهم غير كل خير..

اسماعيل: يبقى على بركة الله، واحنا ان شاء الله جاهزين بكل اللي علينا

عم طاهر: واحنا مش هانحملكم أي حاجة، شقة محمود جاهزة من مجاميعهُ، العفش والفرش والبتوجاز والتليفزيون وكمان التلاجة، يعني مش فاضل غير شوية الدهان، النقاش يدخل يخلصهم في اسبوع، اتنين بالكتير والعروسة تنور شقتها….

اسماعيل: واحنا جاهزين ياعم طاهر

عم طاهر: يبقى على بركة الله، نقرا الفاتحة والولاد يلبسوا الدبل والشبكة، وكتب الكتاب والدخلة الأسبوع بعد اللي جاي

اسماعيل: طيب إيه رأيك ياعم طاهر، ياسر وصلاح قداهم أربع أسابيع ويخلصوا امتحانات، نُصبر لما يخلصوا، ونعمل الفرح..

عم طاهر: على بركة الله .. طيب نقرا الفاتحة..

اسماعيل: نقرا الفاتحة

قرأ الجميع الفاتحة، ثم قال عم طاهر لزوجته متسمعينا زغروته يام محمود…

 

الكلية

بدأ صلاح فى الإختلاط بزملائه داخل الكلية بحجة مراجعة المنهج قبل الامتحانات، وبدأ يلقي ما يريده أن يُثار من موضوعات أغلبها يدور عن أحوال وظروف المعيشة وما يصاحبها من ارتفاع للأسعار، ثم يلتزم الصمت، كما بدأ يتردد على جامعة عين شمس، وكذلك جامعة الأزهر، مستخدماً الكارنيهات التي يحملها إلى أن ……..

إلى اللقاء في الحلقة الرابعة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى