محمد حراز يكتب السراب الحلقة التاسعة
أخبر السيد عبد الرحمن مطر، السيد محمود العلايلي أن ٣٣٣ أرسل عنوان صلاح بالتفصيل في روما..
على الفور أصدر السيد محمود العلايلي الأمر بتحرك المجموعة “س” فى روما وتنفيذ الخطة “فجر”..
السيد عبد الرحمن: تمام يافندم
السيد محمود: مش عايز صلاح يَحصُل على معلومة إلاَّ عن طريقنا، أظن واضح
السيد عبد الرحمن: اطمن يافندم .. جميع المجموعات جاهزة في انتظار الأمر بالتحرك…..
السيد محمود: ربنا معاكم
روما في ١٩٧٢/٥/٢٢ الموافق يوم الاثنين
على واجهة مبنى يميل إلى الطابع الإيطالى القديم وُضِعت لافتة كبيرة تحمل إسم “شركة آريس للسياحة” “Azienda turistica Ares”
حيث اتخذها صلاح رشوان camouflage ليمارس من خلالها نشاطه..
كانت الشركة تقوم بحجز رحلات السياحة، وكذلك تقوم بحجز تذاكر الطيران لجميع أنحاء العالم، وبأسعار شبه مخفضة، لا تقبل المنافسة، الأمر الذي وضعها فى مقدمة الشركات، وجعلها الشركة المفضلة لدى الكثيرين، فكان الإقبال عليها ليس له نظير خاصة من المصريين العاملين هناك..
ترك صلاح شعره، حتى وصل إلى منكبيه، وأطلق لحيته، وشاربه، فتغيرت ملامحه تماماً وأصبح قريب الشبه بالإيطاليين، فارتدى انسيالِ من الذهب حول معصمه الأيمن، كما ارتدى سلسلة ذهبية حول عنقه تدلت على صدره تظهر من قميصه المفتوح، ولم ينسى أن يُزين يده اليسرى بساعة بانيراي، كما حرص على ارتداء الثياب الإيطالية، كل ذلك نزولا على تعليمات إيهود شاؤول، ليكون بعيدا عن أعين المخابرات المصرية..
أصدر صلاح تعليماته لفتاة يهودية تعمل معه في الشركة تدعى “مارتينا”، كانت في بداية العقد الثالث من عمرها، طلب منها أن تتعامل بجفاء مع المصريين، على أن يتدخل في الوقت المناسب لتلطيف الأجواء بنفسه..
روما في ١٩٧٢/٨/٢٥ الموافق يوم الجمعة
وصل إلى مقر الشركة “آريس” أربعة من شباب الجامعات الذين يسافرون إلى أوربا في إجازة نصف العام، للعمل حتى يتمكنوا من تدبير مصاريف دراستهم، والإنفاق على أنفسهم.
تقدم أحدهم نحو مارتينا فقال: Buonasera
مارتينا: Buonasera
الشاب: عايزين نحجز لمصر على أول طيارة طالعة بكره
مارتينا: للأسف نفذت كل التذاكر على الطيران المباشر، يمكنكم السفر عبر خط (روما .. المغرب .. مصر)
الشباب ينظرون لبعضهم البعض، فقال أحدهم: كده اللي وفرناه طول الشهرين ها يضيع في التذاكر…
مارتينا: للأسف هذا هو المتاح
الشاب: ممكن نحجز بعد بكره؟!
مارتينا: تذاكر مصر محجوزة بالكامل حتى منتصف الشهر المقبل..
هنا ارتفعت أصوات الشباب داخل الشركة وتملكهم الغضب، فخرج صلاح ليسأل: ما الأمر مارتينا؟!
مارتينا: يريدون السفر إلى مصر، وقد أخبرتهم أن جميع الأماكن شاغرة حتى منتصف الشهر القادم..
صلاح: لا عليكي مارتينا، سأتولى الأمر بنفسي، ثم طلب من الشباب الدخول إلى مكتبه ..
صلاح: الأمر في غاية البساطة يا شباب ولا داعي للغضب، سأدبر لكم الحجز في الميعاد المطلوب، ولكن اهدأوا..
ضغط صلاح على جرس بجواره، فجاء عامل بالشركة، ليقدم لهم الشراب
صلاح: لدينا ليمون مصري حاجة كده زي مابتقولوا في مصر “عظمة”
فقال الشباب: نشرب لَمون
صلاح للعامل: خمسة ليمون، ثم نظر إلى الشباب وسألهم: بتدرسوا هنا، ولا جايين سياحة؟!
أحد الشباب: بنشتغل في الاجازة علشان نوفر مصاريفنا، ونساعد أهلنا، بعد السادات ما نشفها علينا، ووقف حالنا .. الله يوقف حالهُ .. منه لله..
صلاح: براڤو، لكن من واقع خبرتي فى مجال السياحة، أنا شايف السادات رئيس معتدل .. قدر يكسب الرأي العام العالمي في صفه، بعد ما أبعد مصر عن شبح الحرب
هنا انتابت المجموعة موجة من الضحك، فقال صلاح: خير ياشباب ضحكونا معاكم
أحد الشباب: تعرف نكتة الحمار؟!
صلاح: لا..
أحد الشباب: ابقى اسأل الحمار، ثم ضحك متواصل من المجموعة..
هنا أخرَج صلاح من درج مكتبه أربعة تذاكر ثم قال: اتفضلوا دول أربع تذاكر بخصم ٥٠٪، بمناسبة ولادة طفلتي آريس، عمرها النهاردة ثلاثة أشهر، لكن المرة الجاية عايز اعرف مين الحمار…
تسلم الشباب تذاكر السفر، وقدموا له الشكر وهنئوه على ولادة طفلته، ثم خرجوا وهم في غاية السرور، فالتفت أحدهم، ثم قال: بعد وفاة عبد الناصر، تولى السادات الحكم، فخرج للجماهير وقال هذا العام هو عام الحسم ضد إسرائيل، مرَّ عام ١٩٧٠ ولم يحارب، خرجت المظاهرات ضده، فأعاد عليهم كلمته، بأن هذا العام هو عام الحسم، مرَّ أيضاً عام ٧١ ولم يفعل، فخرجت الجماهير ضده للمرة الثانية، ونحن الآن في منتصف عام ٧٢ و متأكدين أنه لن يفعلها، حتى أصبحت النكات هي السائدة
صلاح: تقصد ان السادات …..
قال أحدهم: كان في عربة يجرها حمار، وقفت على كوبري قصر النيل في وسط القاهرة وتعطل المرور بسببها وازداد الزحام، فجاء شرطي المرور إلى صاحب العربة ليسأله لماذا تقف هكذا؟
رد عليه صاحب العربة أنه متوقف بسبب الضباب، فتعجب الشرطي متسائلًا أين الضباب؟
فقال له صاحب العربة: ابقى اسأل الحمار..
ثم خرجوا، وقد وضع كل منهم زراعه فوق كتف الآخر..
هنا وقف صلاح ينفض بإصبعه السبابة الجاكت الإيطالي وهو في منتهى الفخر والزهو، ثم قال أنا كده عرفت مين يبقى الحمار
القاهرة
مبني المخابرات المصرية فى ١٩٧٢/٨/٣١ الموافق يوم الخميس
السيد عبد الرحمن مطر يطرق الباب للدخول
السيد محمود العلايلي: اتفضل..
السيد عبد الرحمن: جواب من صلاح يافندم، أرسله على عنوان أخوته فى بولاق
السيد محمود: معنى كده ان ده أول جواب منه، لأنه ميعرفش ان اسماعيل وياسر نقلوا من بولاق
السيد عبد الرحمن: تمام يافندم.
قام السيد محمود بفتح الخطاب، فوجد ٣٠٠ دولار، وورقة مكتوب فيها إلى اخوتي اسماعيل وياسر أنا بخير، طمنوني عليكم وعلى مديحه، سأقوم بإرسال ما يكفيكم كل شهر، معلش اتأخرت عليكم علشان كنت برتب شغلي، وحشتوني..
العنوان: إيطاليا صندوق بريد ١١٣ فيسنترو ستوريكو روما
السيد عبد الرحمن: واضح كده يافندم انه ظبط أموره في روما كويس جدا
السيد محمود: المُلاحظ في الجواب ياعبد الرحمن، أنه لا بدأ ببسم الله الرحمن الرحيم، ولا ختم كلامه بالسلام، ودا يؤكد انه تخلى عن دينه بمحض ارادته..
السيد عبد الرحمن: اللي يترك دينه يافندم، من السهل انه يبيع وطنه….
السيد محمود: غيَّر الظرف بنفس الشكل، واكتب نفس العنوان، بنفس خط صلاح، أقصد نفس خط شولومو..
إلى اللقاء في الحلقة العاشرة