محمد حراز يكتب: الجنرال إكسهام يؤدي التحية العسكرية للشرطة المصرية
الجنرال إكسهام يؤدي التحية العسكرية للشرطة المصرية
تمرُّ علينا هذه الأيام ذكرى معركة خالدة، حُفِرت سطورها في جبين التاريخ بحروفٍ من العزة والكرامة، فباتت رمزا للبطولة وعنوانا للتضحية والفداء.
ذكرى يومٍ امتزجت فيه دماء الشهداء الطاهرة بتراب الوطن على أرض الإسماعيلية الأبية، فكانت درسا عظيما في معنى الوطنية والشموخ، درسا لم يستطع العدو معه إلا أن يؤدي له التحية العسكرية تقديرا وإجلالا.
إنه يوم 25 يناير 1952 والذى تصدى فيه رجال الشرطة المصرية في الإسماعيلية لقوات الاحتلال الإنجليزي في ملحمة أسطورية، عازمين على ألا يدخل ذلك المحتل المدينة إلا مرورا فوق أجسادهم فوهبوا أرواحهم من أجل أن تظل راية مصر عالية خفاقة في سماء العزة والكرامة.
تحكي الأفلام الوثائقية وتقص لنا كتب التاريخ أن تلك المعركة أخرجت لنا لوحة فنية خالدة اختطلت فيها الدماء والأشلاء عندما عجز المحتل أن يفرق بين رجال الشرطة وبين أفراد المقاومة الشعبية لتكون درسا آخر، يوضح للعالم أجمع كيف يكون المصريون يدا واحدة أمام أي عدوان، فأصبح ذلك اليوم عيداً رسمياً للشرطة المصرية.
الحكاية..
في صباح 25 يناير عام 1952 كانت السماء تتزين لاستقبال 50 شهيدا من رجال الشرطة المصرية، في ملحمة دخلوها اختيارا وليس اضطرارا، 130 بطل بقسم الشرطة واجهوا حصارا فرضته قوات الاحتلال البريطاني لمبني القسم الصغير، بعد رفضهم الانصياع لإنذار عدو متغطرس بتسليم أسلحتهم والرحيل عن المنطقة، وعلى الرغم من كونه إنذارا صدر من أقوى قوة استعمارية في العالم آنذاك «بريطانيا العظمى» إلا أن تلك الفئة القليلة قد رفضته بشجاعة وثبات، ليكون ردهم: “إن كانت الشهادة فأهلا بها في سبيل الوطن”.
إقرأ لـ.. حراز
محمد حراز يكتب: هل كائنات فضائية Aliens هي التي بنت الأهرامات؟
أي رجال هؤلاء .. أية قلوب هذه .. أية شجاعة غُرست بداخلكم، إنها عقيدة الجندي المصري بداية من مينا حتى نهاية الزمان.
الأسطورة والمعركة
القوات البريطانية مدعومة بالدبابات والعربات المصفحة تفرض حصارا حول قسم البوليس وكذلك تحاصر مبنى المحافظة، بسبعة آلاف جندي مزودين بالأسلحة الحديثة، تدعمهم دباباتهم السنتوريون الثقيلة وعرباتهم المصفحة ومدافع الميدان، بينما كان عدد الجنود المصريين المحاصرين لا يزيد على ثمان مائة في الثكنات وثمانين في المحافظة، لا يحملون غير البنادق البدائية.
معركة ضارية دارت أمام قسم البوليس أبدى فيها رجال الشرطة المصرية البواسل أعظم صور للبطولة والتضحية والوطنية، واجهوا القنابل والمدافع الحديثة ببنادق عادية، وصدور عارية، لتستمر المعركة ساعتين كاملتين هاجمهم فيها الإنجليز بدباباتهم ونيران مدفعيتهم، بينما دافع رجال الشرطة المصرية بأرواحهم وبنادقهم القديمة، وأمام بسالة الرجال وشجاعتهم التى لم يعرف التاريخ مثلها، لم يستطع الجنرال إكسهام قائد الحملة الانجليزية أن يتقدم بقواته خطوة واحدة، إلا بعد سقوط 50 شهيدا و80 جريحا من رجال الشرطة البواسل، هم كل قوة القسم.
هنا لم يستطع الجنرال الإنجليزي إكسهام أن يخفي إعجابه بشجاعة هؤلاء الأبطال فقال للمقدم شريف العبد ضابط الاتصال وقتئذ: “لقد قاتل رجال الشرطة المصرية بشرف واستسلموا بشرف، ولذا فإن من واجبنا كعسكريين احترامهم جميعا ضباطا وجنودا”.
وعلى الفور أصدر إكسهام الأوامر لجنود فصيلة بريطانية بأداء التحية العسكرية لطابور رجال الشرطة المصرية عند خروجهم من دار المحافظة تكريما لهم وتقديرا لشجاعتهم النادرة التي سطرتها دماؤهم الذكية في سماء الخلود.
هذه هي قصة الملحمة التي دارت على أرض مدينة الإسماعيلية والتي خلدت شجاعة الشرطة المصرية، فتحية إجلال وتقدير لرجال الشرطة البواسل في عيدهم .