محمد حراز يكتب .. الأشاير والبشاير الفصل الحادي عشر
لاحظ حمدون أن عثمان المشعلجي يكرر كلمة المزيَّرة أكثر من مرة، فقال له: ومالهُ ياعثمان زَوَّدْ فانوس الحنفية .. آهو علشان الناس اللي بتطلع تملىَ مَيتها بعد الفجر؛ ميخافوش……..
عثمان: حاضر ياريس حمدونه.
انصرف عثمان المشعلجي فنادى عليه حمدون: عثمان …. عثمان
عثمان: نعمين ياريس حمدونه
حمدون: خلي بالك على نفسك لتطلعلك المزيَّرة تلغبطك، دا لو ماخنقتك انت كمان..
تملك الرعب من عثمان وشَعُر بخوف شديد، فقال رَبُنا يستر ياريس حمدونه
عادت سعدية في ساعة متأخرة من الليل بعد زيارة زوجها، وما أن وصلت إلى المكان الذي قُتل فيه مظهر أفندي بجوار الحنفية، حتى شَعُرت وكأن شعر رأسها قد وقف وتَصَلَّبَ، وكاد طفلها أن يسقط منها من شدة الرعب مما رأت؛ فقد شاهدت شبحاً يزداد طولا كلما اقتربت منه، وظل يزداد طولا أكثر فأكثر .. حاولت أن تصرخ لكن الرعب الذي تملكها حبس صوتها ……
حاولت أن تعود إلى الخلف لكن أقدامها لم تطاوعها، ورأت نفسها تتقدم للأمام رغم إرادتها، وكانت كلما تتقدم وتقترب من الخيال كان يزداد طولا، وما أن دنت منه وأصبح في متناول يدها أو هكذا ظنت، لم تعد عيناها تحصر طوله الذي تخطى المنازل المجاورة وارتفع إلى أعلى؛ فأصيبت بالخرس وسقطت على الأرض وهي تضم صغيرها بذراعيها إلى صدرها، وهذا يؤكد صحة النظريات النفسية (أن الإنسان من المستحيل أن يؤذي والديه أو ابنه أو ابنته، حتى وإن كان تحت تأثير التنويم المغناطيسي، مالم تتغير هرموناته)..
ظلت سعدية ملقاة على الأرض، حتى رآها بعض الناس من الذين خرجوا لصلاة الفجر، فتعرفوا عليها وحملوها إلى منزلها…
الحارة
عبده القهوجي: صباح الخير ياريس حمدون .. التمباك التركي
حمدون: صباح الخير يا معلم عبده انت جايب الشيشة بنفسك
عبده القهوجي: احنا هانجيبها لأحسن منك يابو رجب .. لكن صحيح؛ أنا أول مرة أشوفك بتشرب تمباك ياريس حمدون
حمدون: زهق يامعلم عبده، آهو الواحد بيطلع زهقه في الشيشة..
عبده القهوجي: مفيش حاجة تستاهل فى الدنيا يابو رجب؛ سمعت باللي حصل إمبارح لمرات صديق وهي راجعة من زيارتهُ؟!
حمدون: خير إيه اللي حصل؟!
عبده القهوجي: بيقولوا شافت المارد عند الحنفية طبت ساكتة
حمدون: مارد .. لاحول ولاقوة الا بالله، صحيح لسانها عايز حَشهُ، بس البنت دي غلبانة، واجب أبعتلهم بساريه يشوف كل طلباتهم، وأيُتها حاجة عايزينها..
عبده القهوجي: أصيل ياريس حمدون .. أصيل يابو رجب
حمدون: الحتة دي أصلاً معفرتة، لسه المزيَّرة خانقة مظهر أفندي الله يرحمه هناك؛ بس الناس هاتعمل إيه، مفيش تعدية ولا مدخل للبلد غير منها، وانا والله مكلم عثمان امبارح، علشان يزوَّد زيت الفانوس اللي هناك..
عبده القهوجي: ربنا يكرمك يابو رجب .. احنا ملناش غيرك في البلد..
حمدون: متقولش كده يامعلم عبده
عبده القهوجي: ربنا يبارك فيك ياريس، اسيبك بقى واروح القهوة
حمدون: الله يوسع رزقك يامعلم عبده ابعتلي حجر مع نعناع
عبده القهوجي: على راسي يابو رجب..
حمدون: ولا يابساريه
بساريه: نعمين يامعلمي
حمدون: روح لنعمه البقال خُد منه شوية طلبات لولاد صديق، سكر .. وشاي، على شوية رز، وعدس وزيت ؛ و شوفهم لو محتاجين حاجة تانية تجيبهالهم …. ثم يخفض صوته، وبعد ما تخلص؛ تقب وتغطس وتجيبلي صيام الكلوب من تحت طقاطيق الأرض…
بساريه: هو احنا كُنا قصرنا معاك يامعلمي؟!
حمدون: عايزهُ في شغلانه محدش هايقدر عليها غيرهُ، أنا شايلكم لحاجة تانية
بساريه: حاضر يامعلمي
في المساء سمعت سعدية(فقدان النطق الخرس اللحظي بسبب صدمة عصبية، لايتبعه فقدان السمع) سمعت طرقا على الباب، قامت لترى من بالباب، فلم ترى أحداً، لكن وجدت شوالين أمام باب المنزل، فنظرت لترى من أتى بهما ؛ فلمحت الشيخ أحمد القللي في نهاية الشارع، يدلف مسرعا ليختبئ، فعادت ببصرها لتجد شوالا من الدقيق، وآخر به من الأرز والزيت والسكر مايكفيها وأسرتها لفترة طويلة، فحملتهم إلى الداخل..
ليمان طره
فُوجئ حراس السجن بطرق شديد على باب الزنزانة رقم ٦، وصريخ وصوت عالِ: أنا عايز المأمور .. عايز النيابة .. أنا مظلوم .. أنا عايز النيابة….
يأتي السجان مسرعاً ليجد صديق ممسكاً بنضارة باب الزنزانة: إيه الدوشة اللي انت عاملها دي ياصديق .. مالك في إيه؟!
صديق: أبوس إيدك ياشاويش وديني للمأمور .. عايز أتكلم .. عايز النيابة، أنا عايز النيابة..
السجان: طب اهدا وانا هابلغ ضابط السجن..
صديق: اعمل معروف ياشاويش….
على الفور أسرع السجان إلى مكتب النوباتجية ليبلغ الضابط الموجود بما حدث
الضابط: طيب حاول تهديه ياعسكري، وعرفهُ إن ده من حقهُ، وعرفهُ كمان ان القضية مازالت في التحقيقات وأي كلام جديد هايكون في صالحهُ علشان يهدا….
السجان: حاضر يافندم
الضابط: مش عايز هرج داخل السجن..
السجان: حاضر يافندم
خرج الضابط مسرعاً إلى مكتب المأمور وأبلغهُ بما حدث، وعلى الفور قام مأمور السجن بالإتصال هاتفياً بقياداته في مصلحة السجون وأبلغهم بالواقعة..
وصلت المعلومات إلى السيد وكيل النائب العام المُحقق وتم إبلاغه بأن المتهم صديق العشماوي محليس يريد الإدلاء بأقوال جديدة في قضيته؛ وأن لديه معلومات أخرى في غاية الخطورة، ستتصدر الرأي العام المصري لسنوات؛ فطلب السيد وكيل النائب العام بتحرير مذكرة أحوال مع سرعة عرض المتهم على النيابة..
الحارة
صيام الكلوب رجل غليظ الكفين عريض المنكبين، يرتدي جلبابا من الصوف، ويضع على منكبيه تلفيحة، ويعصب رأسه بلاسة من الحرير..
يعيش صيام في الجبل الذي يقع على أطراف المدينة، بسبب مطاردة البوليس له، بعد ارتكابه عدة جرائم، تجارة مخدرات وسرقة وخطف وفرض سيطرة، دأب على المعيشة داخل الجبل؛ حتى غلب اسم الجبلاوي على اسم الكلوب، وكان يتخفى عن أعيَّن الناس نهارا، ولا يخرج إلاَّ في الليل..
صيام: سلام عليكم..
حمدون: وعليكم السلام .. الجبلاوي .. فينك ياراجل؟!
صيام: موجود يا مريَّسه .. أول ما بساريه بلغني وأكد عليا، مكانش ينفع اتأخر .. بس هُوَّا للدرجادي يستحق؟!
حمدون: أصلهُ حكومة يا جبلاوي …
صيام: كده .. طب الفاتحة على روحهُ يا مريَّسه..