محمد حراز يكتب الأشاير والبشاير .. الفصل الثامن
تلقى العقيد رفعت الجيزاوي مأمور المركز اتصالا من إدارة المستشفى المركزي يفيد بوصول الشاويش مغاوري مصاباً بطلق ناري خلف الرأس، وقد توفيَّ فور وصوله..
اليوزباشي رشدي: البقاء لله يافندم .. مغاوري نال جزاؤه في الدنيا عن اللي عمله
المأمور: عقاب الخيانة في الدنيا أهون بكتير من عقاب الآخرة يارشدي
اليوزباشي رشدي: كنت شاكك بنسبة كبيرة يافندم، ان مغاوري هوَّا اللي بيسرب خططنا، علشان كده لما استبدلنا الخطة رقم (١) بالخطة رقم (٢)، بلغهم بتفاصيل الخطة رقم (١)، لكن توفيق ربنا كان حليفنا، وقدرنا نحبط العملية، علشان كده قتلوه….
المأمور: طيب .. شد حيلك بقى يابطل، عايز أشوف همتك، لازم ننضف البلد من المجرمين دول..
اليوزباشي رشدي: إن شاء الله يافندم،
بصراحة اختيار حضرتك للشاويش شحاته عز العرب، موفق جداً، لأنه أولاً معروف في البلد أنه موظف في الكوبانية، ثانياً شحاته من أكفأ عناصر الشرطة السرية في المركز، وقربهُ من حليم الجواهرجي هايكون فيه مكسب كبير لنا .. هانت يافندم.
المأمور: على بركة الله، ربنا معاكم..
منزل أم نرجس
أم نرجس: شوفي مين عالباب يانرجس
نرجس: حاضر يامه
نرجس: دي الست فتحية..
أم نرجس: خليها تتفضل .. يا أهلا وسهلا .. خطوة عزيزة
نرجس: اتفضلي ياست فتحية
فتحية الخاطبة: يزيد فضلك ياعروسة.
نرجس تغلق الباب…..
فتحية الخاطبة: (اصطبري) ياعروسة .. سيبي الباب مفتوح .. الريس حمدون طالع على السلم
نرجس: حمدون؟!
حمدون: ياساتر …..
نرجس: اتفضل ياريس
حمدون: مساء الخير يا ست البنات.. مساء الخير ياست ام نرجس..
نرجس: مساء الخير ياريس
أم نرجس: يسعد مساك ياريس حمدون
حمدون: ادخل يا بساريه .. حُطها هنا، بالراحة يا بساريه، آاااايوَّة بالراحة كده.
بساريه: على راسي يامعلمي..
حمدون: اسبقني انت بقى على الحلقة وانا جاي وراك.
بساريه: حمامه يامعلمي
أم نرجس: إيه الحاجات دي كلها ياخويا .. مستورين والله والحمدلله…
حمدون: ميصحش برضهُ أدخل وإيدي فاضية ياست أم نرجس..
أم نرجس: تسلم إيدك ياخويا
فتحية الخاطبة: شوفي بقى يام نرجس، الريس حمدون جاي وشاري بالغالي .. هايصيَّغها ويتاقلها بالدهب، ومش هايحملكم أي حاجه.
نرجس: وام رجب؟
حمدون: طلقتها بالتلاتة
أم نرجس: لاحول الله ياربي، ليه بس كده يابنتي، ماللى فات فات، والمسامح كريم..
حمدون: إيه العُباره؟! أنا مش فاهم في إيه؟!
نرجس بعصبية: ازاي يامه تقبلي أعيش مع واحدة كانت بتهين أبويا في الرايحة والجاية، ومكانش بيشتكي لحمدون، علشان .. أستغفر الله العظيم .. خايف عيشهُ يتقطع…….
حمدون: الله يرحمه ويبشش الطوبة اللي تحت راسهُ، مقليش حاجه، ولاممكن كنت اسمح بكده أبدا، الله يارحمه كان راجل طيب ومحترم.
أم نرجس وهي تكفكف دموعها: تعيش ياخويا.
حمدون: آهي راحت لحال سبيلها، الله يسهلها، شوفي بقى ياست ام نرجس، زي الست فتحية ماقالت طلباتكم كلها مُجابة
نرجس: فرح متعملش في البلد لسه..
حمدون: هاعملك فرح أحسن من فرح الأميرة فوزية
نرجس: وتجيبلي عبد العزيز محمود يغني يانجف بنور..
حمدون: ولو عايزة الست كمان أجيبهالك، غالية والطلب رخيص ياست البنات..
فتحية الخاطبة: ماتسمعينا (زغروطه) ياست ام نرجس بقى…..
وهنا تطلق نرجس زغروطة تدوي في قلب حمدون قبل أن تدوي في الحارة…
قهوة معاطي
مظهر أفندي يجلس على القهوة، يدخن الشيشة وعلى يمينه ترابيزة صغيرة عليها صينية الشاي، وصل صوت الزغاريد إلى القهوة، حيث يجلس مظهر أفندي، فنظر إلى مصدر الصوت وإذا بالصوت يأتي من منزل نرجس، فكاد قلبه يقفز من بين جوانحه، خوفاً من ضياع محبوبته، وبعد دقائق لمح الريس حمدون وهو يخرج بصحبة فتحية الخاطبة من منزل نرجس، فقال في نفسه: محدش هايخدك مني يانرجس غير الموت..
شارع الصاغة
على ناصية في شارع الصاغة محل كبير وضِعَت على واجهته لافتة كُتِبَ عليها “حليم الجواهرجي”
يجلس خلف ريون كبير من الزجاج تاجر يَدْعىَ حليم أسعد، رجل في منتصف الستينات من عمره، من أكبر تجار الذهب والفضة بالمدينة، يقصده الناس للاقتراض مقابل رهن حُجج وعقود منازلهم وأملاكهم، على أن يكون القرض لمدة عام واحد، وبنسبة عائد مرتفعة، لا يقترض منه إلاَّ المضطر..
حليم: انت كبرت وخرفت ياحمدون
حمدون: العملية تم تنفيذها بناء على تعليماتك .. ودي أول عملية تفشل، ورغم كده ضحيت بواحد من أحسن رجالتنا، علشان أحميك.
حليم: وتحمي نفسك انت كمان ياحبيبي، وبلاش تنسى نفسك وانت بتتكلم.
حمدون: مش حمدون اللي بينسى نفسه .. واضح انك لسه متعرفش حمدون كويس ياحليم بيه..
حليم: لأ عارفك كويس، وشكلك كده عايزني أفكرك بيوم ما جيت لي في نفس المكان وقعدت على نفس الكرسي اللي انت قاعد عليه، ولافف حُجة بيتك في خرقة قديمة، واترجتني أساعدك واقف معاك علشان تعمل نسر البحار، وقُلت الريس مدبولي طردني من مَركبه واستهزأ بيا قُدام الرجالة .. وقفت معاك ونِزل نسر البحار واشتغل، وبقى عندك نسر البحار اتنين وتلاتة وخمسة، إيه ياحمدون انت بتاكل وتنكر زي القطط؟!
حمدون: صحيح وقفت معايا، لحد ما كبرت، لكن رديت الجِمِيل جمايل، واللي عملته معاك بعد كده، مفيش مخلوق في البلد قدر ولا يقدر يعمله .. واضح ياحليم بيه ان انت اللي بتاكل وتنكر، وهاقولك حاجة تحطها حلقة في ودنك..
حليم: حلقة في ودني كده مرة واحدة؟!
حمدون: العملية اللي اتمسكت، حطيت فيها شقى عمري، ومش هاشيلها لوحدي..
حليم: إيه .. بتهددني ياحمدون؟!
حمدون: لااا، حمدون مبيهددش أنا بس بقولك إن مش هاسيب شقى عمري يضيع كده أونطة..
حليم: إيه .. هاتقتلني ياحمدون؟!
حمدون: كنت بنفذ تعليماتك، حريمس لما استقل نصيبه وهدد أنه هايبلغ البوليس، انت اللي أمرت نتخلص منه، بهانة الخبازة انت اللي أمرت بدفنها وهيَّ حيَّة علشان متتكلمش وتقول مين اللي قتل ابنها حريمس……
حليم: انت اتجننت ……
حمدون: اتجننت علشان بفوقك من الكونياك اللي نساك مين حمدون؟! ..
لا ياحليم بيه، لازم تعرف ان كل الجرايم انت اللي أمرت بيها، متولى قصاص الحمير لما شاف رجالتنا بتدفن بهانة وهي حية، انت برضهُ اللي أمرت بقتله، والشيخ سعدالله لما رفض يعمل المسيرة علشان نطلع البضاعة اللي اتمسكت، اخترت بنفسك بساريه وصديق علشان يتخلصوا منه، كفايه ولا أقول كمان ياحليم بيه
حليم: انت فعلا اتجننت ..
حمدون: أنا بصحيك ياحليم بيه قبل المعبد مايتطربق علينا كلنا
حليم: طيب ياحمدون .. حيث كده جهز نفسك لآخر عملية، نعملها علشان نرتاح بقيت العمر كله
حمدون: أيوة كده أنا بحب الدوغري ياحليم بيه..
حليم: في مركب جاية من لبنان عليها خمسة طن حشيش
حمدون: يبقى نتفق من جديد، حتة العمولة مبقتش تنفعني..
حليم: نتفق؟!
حمدون: هادخل البضاعة وهاسلمها للتجار وهاخُدْ خمسين في المية من تمن البضاعة
حليم: انت فعلا اتجننت..
حمدون: ماهي عملية العمر، ياتعدي بسلام، ثم يضع يده على رقبته ويقول، ياتطير فيها رقبتي ورقبتك ياحليم بيه
حليم: اتفقنا .. نقرا الفاتحة
حمدون: يضحك .. فاتحة إيه ياحليم بيه انت يهودي مالكش فاتحة
ضحك متبادل ثم قال حليم: الفاتحة ياحبيبي
هنا يدخل الشاويش شحاته أبو المعاطي: مساء الخير يا أستاذ حليم
حليم: مساء الخير
الشاويش شحاته: أنا موظف في الكوبانية ولسه كام يوم على القبض ومحتاج خمسة جنيه ودي ساعتي رهن يا استاذ حليم
حليم: وريني كده أشوفها
الشاويش شحاته: اتفضل
حليم يفحص الساعة ثم يقول: متساويش أكتر من اتنين جنيه..
الشاويش شحاته: لكن أنا محتاج الخمسة جنيه اعمل معروف
حليم: شوف حد غيري، الصاغة قدامك..
الشاويش شحاته: أمري لله هات (اللتنين) جنيه
حمدون: اديله ياحليم بيه خمسة جنيه وانا هاضمنهُ………
النيابة العامة
خرج اليوزباشي رشدي الطوبجي، بعد سؤاله عن ملابسات قضية جلب وحيازة المخدرات، فوجد الشيخ أحمد القللي، فسأله وهو يربت على كتفه: مالك ياشيخ أحمد، إيه اللي جابك هنا، حد مزعلك؟!
الشيخ القللي: الراجل اللى جوَّة عايزني مدااد … حي..
وإذا بالحرس يطلب من الشيخ القللي الدخول: اتفضل يافندم!؟
وهنا كانت المفاجأة لليوزباشي رشدي بحجم وقدر الصدمة: أفندم؟!