ساحة الرأيفن ومنوعات

محمد حراز يكتب الأشاير والبشاير .. الفصل السابع

 

في جنازة مهيبة لم تشهدها البلدة من قبل، كانت جنازة فقيد الشباب توحتح، الذي ألقى بنفسه في مياه النيل؛ هربا من قوات الشرطة التي هاجمت مراكب الريس حمدون ..

صراخِ وعويل، وشق للجيوب، ولطم للخدود أثناء تشييع الجنازة، تلك الأفعال التي مازالت منتشرة في البلاد النائية، والتي حرمتها الكتب السماوية، وما أنزل الله بها من سلطان..

ظلت أم توحتح تردد في هيستريا أنا اللي موتك ياتوحتح، أنا اللي موتك ياضنايا .. أنا اللي رميتك البحر بإيديا دول ياتوحتح .. انا السبب ياخويا، أنا ياتوحتح، ظلت على تلك الحال حتى أبكت من في الجنازة جميعا، وكأن القدر أراد أن يعاقبها بحرمانها من ابنها الوحيد، بسبب ماتقوم به من أعمال سحر وشعوذة

النيابة العامة
حمدون واقف وسط الحراسة أمام غرفة وكيل النائب العام ينتظر الدخول للتحقيق معه، وإذا بالريس صديق يخرج من الغرفة بصحبة الحرس..

صديق نظر إلى حمدون وقال: برقبتي ياريس
حمدون يَهُز رأسه وهو ملتزم الصمت..
طلبت النيابة دخول حمدون، فدخل برفقة الحرس، وبصحبة محامِ لحضور التحقيق..

السيد وكيل النائب العام: اخرج انت يا عسكري واقفل الباب، ثم أشار للمحامي بالجلوس
السيد وكيل النائب العام لسكرتير التحقيق: افتح التحقيق
بسم الله الرحمن الرحيم

فُتِحَ التحقيق اليوم السبت الموافق الثالث عشر من شعبان سنة ألف وثلاثمائة وسبعين من الهجرة، التاسع عشر من مايو سنة ألف وتسعمائة وواحد وخمسين الساعة التاسعة ليلا
أمامنا نحن السيد/ معتز ماهر عبد العزيز وكيل النائب العام.
وبمناسبة تواجد المتهم حمدون عبد العاطي أبو دقة أمامنا وسألناه

س: ما قولك فيما هو منسوب إليك من أنك متهم بالإشتراك مع آخرين بقيامكم بارتكاب جريمة جلب وحيازة وإحراز مواد مخدرة لجوهر الحشيش المخدر؟

حمدون: محصلش..

س:ماهي ظروف ضبطك وعرضك علينا؟
حمدون: أنا كنت قاعد أول امبارح على باب حلقة السمك بتاعتي أثناء مسيرة الخليفة، وفجأة لقيت ظباط ومعاهم عساكر جُم قبضوا عليا، وخدوني المركز معرفش ليه

س: ماهي علاقتك بالمتهمين صديق العشماوي محليس، ودعدور حلمي أبو الروس، وسيد خطاب أبو ليلة وتوحتح سالم المشد؟

حمدون: صديق باشريس المراكب بتاعتي، وهو مسؤول عن كل صغيرة وكبيرة فيها، والمعلم دعدور أبو دقة بياخد السمك من عندي يبيعه في السوق، والمعلم سيد بياخد سمكهُ برضهُ من عندي، وتوحتح الله يرحمهُ متربي عندي من صغرهُ في الحلقة ولما عوده شد طلع سرح على المراكب.

س: ماقولك فيما سطره اليوزباشي رشدي الطوبجي في محضر جمع الإستدلالات (تلوناها عليه)؟
حمدون:محصلش

س: وهل هناك ثمة علاقة أو خلافات بينك وبينه؟
حمدون: اليوزباشي رشدي كان كل جريمة قتل تحصل في البلد بيبعت ياخدني يسألني تفتكر مين ممكن يعمل كده، لدرجة ان في يوم بقولهُ سيادتك هاتشغلني مرشد، رد وقال أنا بعتبرك كبير البلد وبسترشد بكلامك
س: ما قولك فيما ورد بمحضر الاستدلالات من أنك قمت بالاشتراك مع آخرين بجلب كمية من مخدر الحشيش قُدرت بنحو طنين عن طريق وضعها في ثلاجات المراكب المملوكة لك، وأن كل هذا تم بعلمك؟
حمدون: محصلش، وانا مبشتغلش على المراكب، وفي ناس مشغلينها، مش يمكن يابيه بيشغلوها شمال من ورايا وبيستغلوا علاقتي بالمباحث؟

س: وما دليلك على صحة أقوالك؟!

حمدون: بعد انتهاء المسيرة قبل اللي عدت، بتاعة ليلة الإسراء والمعراج، لما رُحت المراكب أحضر تسليم السمك للمعلمين، اتفاجأت بالشيخ القللي واقف يدروش مع الرجالة لما شافني طلع يجري، لكن كانوا مولعين نار وشميت ريحة مش حلوة، الحق لله يابيه شكيت أنها مخدرات وسمعت صديق بيقول للي معاه فرق كبير بين البلدي وبتاع بره، بستحلفك بالله و بالخليفة متظلمنيش يابيه….

هنا قاطعهُ المحقق قائلاً: اطمن، انت أمام النيابة العامة؛ والنيابة جهة تحقيق دورها إنها تظهر الحقيقة بدون تحيَّز لأي من الأطراف، دا غير ان قانون الإجراءات الجنائية لسه صادر، وهناك ضمانات كثيرة للمتهم، ثم أشار للمحامي، وأكيد الأستاذ فاهم هذا الكلام.

س: أنت متهم بجلب كمية كبيرة من جوهر الحشيش المخدر..
حمدون: محصلش

س: ماقولك فيما جاء على لسان صديق العشماوي محليس. من إنك لا تعلم شيئاً عن تلك المضبوطات؟
حمدون: الله أكبر .. الله أكبر، ثم أظهر فرحته وقبل يده من الجهتين وقال الحمدلله.. الحمدلله
هنا نظر السيد وكيل النائب العام ناحية محام المتهم وقال: طلباتك يا استاذ؟

وكيل النائب العام: ملحوظة .. والحاضر مع المتهم طلب إخلاء سبيل المتهم بضمان محل إقامته أو بأي ضمان مالي لانتفاء مبررات الحبس الاحتياطي في حقه، وتمسك بحُسن نية المتهم، وأنه لا يعلم شيئاً عن المضبوطات ودفع بانتفاء صلة المتهم بالواقعة محل الإتهام

س: هل لديك أقوال أخرى؟
حمدون: لا يا سعت البيه..
السيد وكيل النائب العام سأل حمدون: بتمضى
حمدون: بختم يابيه
خرج حمدون مع الحرس إلى مركز البوليس لحين صدور قرار النيابة
الأستاذ مختار العجيل: اطمن ياريس حمدون .. ان شاء الله إخلاء سبيل

حمدون: تبقى حلاوتك كبيرة قوي يا استاذ
الأستاذ مختار العجيل: أنا هانتظر القرار واحصلك على المركز

السيد وكيل النائب العام
قررنا نحن السيد/ معتز ماهر عبد العزيز وكيل النائب العام

١_ إخلاء سبيل المتهم حمدون عبد العاطي أبو دقة من ديوان المركز إذا دفع ضماناً مالياً وقدره خمسون جنيها، وفي حالة العجز يُعرض علينا للنظر في أمر حبسه
٢_ ضبط وإحضار كل من دعدور حلمي أبو الروس، وسيد خطاب أبو ليلة على أن يُعرضا فور ضبطهم
٣_ استدعاء كل من اليوزباشي رشدي خالد الطوبجي، السيد مصطفى ياسين الصيرفي ضابط المكافحة، وذلك لجلسة تحقيق الاثنين الموافق الحادي والعشرين من مايو ألف وتسعمائة وواحد وخمسين ١٩٥١/٥/٢١
٤_ تُطلب تحريات المباحث عن الواقعة وظروفها وملابستها ودور كل متهم في ارتكاب الواقعة..

دخل حمدون الحارة راكبا كارتة مكشوفة مزينة بالورود والبلالين الملونة يتقدمها فرقة مزمار بلدي، وفور وصوله استقبله أهل الحارة للتهنئة، المعلم عباس سردينة والمعلم عبده القهوجي، وعدد كبير من أهل الحارة، كما كانت نرجس بين الحضور، وقامت أم رجب بإطلاق الزغاريد، فنظر إليها حمدون وقال: ميصحش علشان أم توحتح، ثم شكر الناس وطلب من أفراد الفرقة الانصراف مراعاة لوفاة توحتح..

مركز البوليس
العقيد رفعت الجيزاوي: حمدون قدر يفلت منها..
اليوزباشي رشدي: مسيرنا نقبض عليه متلبس
المأمور: التحريات بتقول ان المحامي اللي حضر تحقيقات النيابة يبقى محامي حليم الجواهرجي
اليوزباشي رشدي: فعلا يافندم مختار العجيل هو محامي حليم الجواهرجي.
المأمور: معنى كده ……
اليوزباشي رشدي: أيوة يافندم..

المأمور: تبقى مهمتك الجديدة ضبط دعدور أبو الروس وسيد أبو ليلة ومراقبة حليم الجواهري
هنا دق جرس تليفون المكتب فتناول المأمور سماعة التليفون: أهلا وسهلا يا دكتور عادل … الله يسلمك يادكتور … أيوة مغاوري مغاوري اليمني … لاحول ولاقوة إلاًَ بالله .. لا حول ولاقوة إلاَّ بالله …. شكرا يادكتور عادل.

اليوزباشي رشدي: خير يافندم
المأمور: مدير المستشفى بيبلغني الشاويش مغاوري وصل المستشفى مصاب بطلق ناري خلف الرأس .. البقاء لله……

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى