ساحة الرأيفن ومنوعات

محمد حراز يكتب الأشاير والبشاير.. الفصل السادس

 

وصل الشاويش مغاوري إلى محل حليم الجواهرجي وطلب منه أن يُبَلْغ حمدون أبو دقة بأن رجال الشرطة مشغولون الليلة بتأمين المسيرة كالعادة وليس هناك ثمة قلق..

هنا فتح حليم الجواهرجي خزينة النقود وأعطاه مئة جنيه، ثم قال له: الحلاوة الكبيرة بعد الشغلانة ماتخلص..

الشاويش مغاوري يأخذ المئة جنيه ويقبلها ويضعها في جيبه ويقول: “المرادي” حلاوتي غير كل مرة.
حليم الجواهرجي: احنا لنا بركة غيرك ياشاويش مغاوري..

قبل صلاة المغرب وقبل انطلاق الأشاير، ذهبت فتحية الخاطبة إلى حلقة الريس حمدون: مساء الخير ياريس حمدون

حمدون: يامساء النور ياست فتحية، إيه الأخبار؟!
الخاطبة: مبروك ياريس
حمدون: طمنيني .. وافقت؟!

الخاطبة: إيه اللي وافقت، هي وافقت بس، دي طارت من الفرحة يابو رجب .. بس ليها شرط

حمدون: شروطها كلها مجابة .. عفش جديد، وبيت من بابهُ، وأَيُتهَا كُلفة من جنيه لألف

الخاطبة: هي اشْتَرَطِتْ متدخلش على ضُرة ياريس
حمدون: إيه…..؟!.. أم رجب .. عايزاني أطلق أم رجب؟!
الخاطبة: شرطها ياريس

حمدون: بعد العِشرة الطويلة دي أطلقها ..أبقى قليل الأصل قوى ياست فتحية

فتحية الخاطبة: سيبك منها، ولك عندي عروسة مقولكش، جمال إيه وشعر إيه، وجسم إيه .. فَرَسة، ودفرها برقبتها، بنت بنوت برضهُ ومن بيت طيب
حمدون: أنا مفكرتش في الجوازة التانية غير علشان نرجس ياست فتحية…

الخاطبة: بشوقك بقى يابو رجب…

فكر حمدون ثواني ثم قال: خلاص .. هاطلق أم رجب.

بعد صلاة المغرب مباشرة خرجت المسيرة وظهر الخليفة فوق فرسه، وهو مغطى بالحرير الأخضر، فارتفعت التكبيرات والتهليلات، حتى اهتزت أرجاء المدينة بكلمات المدد والصلاة على الرسول، فبدأت بتقدُم حَمَلَةْ الأشاير والبيارق، وضاربي الدفوف، ثم جاء في الصف الثاني، الشيخ على أبو قشاية رافعاً عصاته إلى أعلى، وهو يردد العالي .. العالي، والشيخ صميدة مشغولا كعادته بجمع الهبات والتبرعات من الأعيان وكبار التجار، ليضعها في “حِجْر” جلبابه الفضفاض؛ بينما كان الشيخ مرجان الطيار مُمْتَطيا جريدته؛ قد تأخر خطوتين، ليكون بجانب فرس الخليفة، يتمايل معه كلما مال، ناحية اليمين، أو ناحية اليسار ..

هذا بخلاف الذين جاءوا من أقصى المدينة، ومن القرى المجاورة فهؤلاء كانوا يسيرون وراء الخليفة، وهذا نوع من التقديس والاحترام، فكيف يساوون أنفسهم بالخليفة، أو بمجاذيب الخليفة، هم يَروْن أنفسهم من المحظوظين دون غيرهم لتمكنهم من الحضور، والإحتفال بليلة النصف من شعبان..

المسيرة تلك الليلة كانت مختلفة تماما عن كل المسيرات التي سبقتها، لأنها كانت تعُج برجال مكافحة المخدرات، الذين اختلطوا بالناس بملابس لا يمكن أن تفرق بينهم..

حتى ملقاط، كانت المسيرة بالنسبة له بمثابة ليلة العيد، فقد امتلأت جيوبه وانتفخت بالأموال التي سرقها..

رأى رجال المكافحة مايفعله ملقاط بالناس من سرقات، لكنهم غضوا نظرهم عنه، حتى لا يلفتوا الأنظار إليهم، بل ترك أحدهم نفسه ليقوم ملقاط بسرقته، حين أظهر نفسه هائما، وسط الحضور، مردداً مداااد .. حيَّ..

الوقت يُمرَّ ورجال المكافحة في انتظار الإشارة المتفق عليها للتحرك، وسط ارتفاع أصوات الدفوف واختلاطها بصيحات مجاذيب الخليفة، وغيرهم من الناس..

فما أن وصلت الأشاير أمام حلقة حمدون، حتى قام الشيخ القللي بكشف الغطاء الأخضر عن رأسه، ثم نظر إلى حمدون نظرة أدخلت الرعب في قلبه، وهو يقف بجانب الريس صديق، ثم أعاد القللي الغطاء مرة ثانية، واستكمل مسيرته..

وسط هذا المشهد الذي أربك حمدون، لم يكن الوقت مناسبا لأي تصرف تجاه ما فعله القللي، وهو الذي أشاع بين الناس أن الشيخ سعدالله أوصى بأحقيته (القللي) في خلافته، كما شغلهُ حديث الريس صديق، عن دخول المراكب ووصولها إلى رصيف مسجد أبو النور..

الريس صديق لاحظ أن حمدون تائه .. شارد الذهن فقال له: إيه ياريس، مالك .. متقلقش المراكب دخلت وربطت، والأمور آخِر تمام..

حمدون: الله ينور عليك يا مرَّيَسة، اتوكل انت على الله، وأكد على الرجالة ياخدوا بالهم كويس، وأول مالمعلم دعدور؛ والمعلم سيد أبو ليلة يوصلوا، سَلمهم سمكهم، سمكة .. سمكة.

الريس صديق: حاضر يابو رجب.

حمدون: مش هاوصيك يامرَّيسة، الحرص إيه؟!

الريس صديق: واجب ياريس .. متخافش .. وراك رجالة؛ بالإذن ياريس..

حمدون: بالسلامة يا مرَّيسة..

هنا جاءت نرجس بصينية الشربات تمشي في تبختر و دلال، حتى وصلت للريس حمدون، الذي هم واقفاً فقالت: مساء الخير يا ريس..

ثم ناولته كوبا من الشربات: اتفضل ياريس .. شربات الأشاير

حمدون: مساء الخير ياست البنات .. من يد منعدمهاش.. عقبال شرباتنا.

نرجس: متستعجلش ياريس.

تناول حمدون الشربات وهو ينظر إليها سعيدا؛ ثم قال: فتحية الخاطبة، بلغتني شروطك، وانا موافق ..
نرجس: موافق …..؟!

حمدون: بالتلاتة…….

وإذا بنرجس تطلق “زغروتة” دَوَّت أصداؤها في الشارع، الأمر الذي لفت نظر الباشكاتب مظهر وهو يسير وراء الخليفة؛ زغروتة أقلقتهُ، وأشعلت نار الغيرة داخل قلبه، وازدادت نار الغيرة أكثر، عندما رآها تقف مع حمدون..

بعد انصراف نرجس إلى منزلها، أوقفها مظهر على باب المنزل وسألها: خير ياست نرجس، إيه الزغاريت دي؟!
نرجس: الريس حمدون طلب إيدي..

مظهر: وانا……

نرجس: انت إيه يامظهر افندي؟!

مظهر: أنا فين من قلبك ؟!
نرجس: إيه……….

مظهر: أنا بحبك..

صمتت نرجس، وتبادلت النظرات مع مظهر، ولم تستطع الرد ……..

هنا لمح حمدون الباشكاتب مظهر وهو يتحدث مع نرجس، فذهب ليتبيَّن الأمر..
حمدون: دي أصول انك توقف بنات الناس في الوقت ده، وبالشكل ده يامظهر افندي؟!

مظهر: مش انت اللي هاتكلمني عن الأصول ياحمدون
حمدون: حااامدون؟!

مظهر: لامؤاخذة ياااا….. ريس…حمدون

على شاطئ النيل وعلى رصيف مسجد أبو النور، كان اليوزباشي رشدي ورجاله، على ميعاد مع رجال المكافحة الذين قاموا بمحاصرة الريس صديق ومَن معه مِن الصيادين..

طلب منهم اليوزباشي رشدي تسليم أنفسهم دون مقاومة، حتى لا تضطر القوات باستخدام الرصاص، فألقى توحتح بنفسه في المياه ليلقى حتفه غرقا في نهر النيل، وتمكن المعلم دعدور، والمعلم سيد أبو ليلة من الهروب، ليتم القبض على الريس صديق وعدد من الصيادين في أكبر عملية تهريب تشهدها المدينة..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى