محمد حراز يكتب الأشاير والبشاير الفصل السابع عشر والآخير
تلقى العقيد رفعت الجيزاوي مأمور مركز الشرطة اتصالا تليفونيا من أحد أفراد الشرطة السريين، يخبره باختفاء حليم أسعد من المدينة، وأن الشقة التي يسكن بها والمحل مغلقين، فقال: كنت عارف ان دا ممكن يحصل، ودا اللي كنت عامل حسابه….
فسأله اليوزباشي رشدي: خير يا حضرة المأمور؟!
المأمور: حليم أسعد اختفى من المدينة، معنى كده ان في معلومات اتسربت من جهة ما ووصلت له في هذا التوقيت..
اليوزباشي رشدي: لكن حمدون مستمر في تجهيز المسيرة، ومفيش أي تغيير لاحظناه عليه، والأمور ماشية بصورة طبيعية تماماً
المأمور: لو اللي بفكر فيه صحيح، يبقى اللي سرب الخبر، ميهمهوش إلاَّ سلامة حليم وبس، حمدون يروح يجيبوا ألْف حمدون…
اليوزباشي رشدي: حضرتك بتفكر في ايه يافندم؟!
المأمور: لازم نمنع دخول المخدرات البلد بكل السُبل، دول بدأوا في خطة وبينفذوها ومش مستعجلين…
اليوزباشي رشدي: إن شاء الله ياحضرة المأمور نبذل قصارى جهدنا لمنع ذلك الوباء….
قهوة معاطي
صباح الأربعاء الثالث والعشرين من شهر يوليو عام ألف وتسعمائة واثنين وخمسين
المعلم عباس سردينة: صباح الخير يامعلم عبده
عبده القهوجي: صباح النور يامعلم عباس
عباس سردينة: ماتعلي صوت الراديو كده علشان نسمع الشيخ رفعت
عبده القهوجي: من عينيا يابو زينب،
قام المعلم عبده القهوجي بتعلية الراديو وإذا بالشيخ رفعت يقرأ ﴿إِنَّا فَتَحۡنَا لَكَ فَتۡحࣰا مُّبِینࣰا﴾
الحارة
عثمان المشعلجي يمسك السلم لشاب في بداية العشرينات ليقوم بتزويد الفوانيس بالزيت، فيسأله حمدون: إيه ياعثمان خلاص عجزت مش قادر تطلع السِلم؟!
عثمان ينظر إلى الشاب ثم ينظر إلى حمدون ويقول: ولدي بدر ياريس حمدونه، استلم الشغل في البلدية ودا أول يوم له النهاردة، أنا خلاص حُسن الختام
حمدون: متقولش كده ياراجل ياعجوز .. ظبطت العمل عند مقام سيدنا الولي، الزفة هاتخرج الليلة عايزين البلد تلعلط..
يضحك عثمان ويقهقه بصوت عالِ ويقول: ياااه فكرتني بأيام زمان لما سألتني نفس السؤال، فاكر ياريس حمدونه قلت لك إيه؟!
حمدون: طبعا فاكر ياراجل ياعجوز، لما قلتلي كله هناك خلص ياريس حمدونه
عثمان: فعلاً كله خُلص ياريس حمدونه خلاص حُسن الختام
الريس حمدون: الله ينور يابدر طالع راجل زي أبوك
بدر: وعليك ياريس حمدون
مركز البوليس
العقيد رفعت الجيزاوي، والبكباشي
مصطفى ياسين الصيرفي، واليوزباشي رشدي الطوبجي والشاويش شحاته أبو المعاطي في اجتماع مغلق داخل مكتب مأمور المركز
البكباشي الصيرفي: كل واحد عارف دوره، خلينا نراجع الخطة للمرة الأخيرة؛ مجموعتي باللنشات في الجهة المقابلة للقلعة هاتتحرك عند اللحظة المتفق عليها.
اليوزباشي رشدي: هاكون جاهز للتحرك بمجموعتي من منطقة مصنع التلج في نفس توقيت تحرك مجموعة المكافحة.
الشاويش شحاته: رجال الشرطة السريين هايكونوا منتظرين ساعة الصفر للتحرك من وسط الزراعات ناحية الغرب..
المأمور: ممتاز .. وانا تلقيت إشارة قبل الإجتماع مباشرة، بأن قوات الدعم البحري هاتقفل منطقة البوغاز لمنع أي مركب إذا ما حاول أو فكر في الهروب.
البكباشي الصيرفي: على بركة الله نقرا الفاتحة
مد الشاويش شحاته يده، كذلك مد البكباشي الصيرفي يده، ثم مد اليوزباشي رشدي الطوبجي يده، ثم وضع المأمور يده فوق أيديهم وقال: الفاتحة ……… صدق الله العظيم
المستشفى
استأذنت نرجس لزيارة بساريه في المستشفى، فرفض الحرس بشدة، لكن مع إلحاحها للدخول، اضطر الحرس بالتواصل مع اليوزباشي رشدي عبر تليفون المستشفى، فسمح لها بالزيارة لمدة خمس دقائق في وجود فرد الحراسة
نرجس: حمدالله على السلامه يابساريه .. عامل إيه طمني عليك
بساريه: الحمدلله، بخير ياست نرجس
نرجس: إيه بقى ست نرجس دي؟!
هنا يشعر بساريه بالخجل وحاول أن يرفع رأسه لينظر إليها لكنه لم يستطع فقال: ميصحش ياست نرجس
نرجس بتعصب ثم تبتسم: برضهُ .. ست نرجس
بساريه محاولا النظر إليها، لكن يتردد، ثم لملم قوته وقال: خلاص يانرجس
نرجس: أيوة كده .. أول مرة أسمع فيها اسمي حلو كده
وإذا بفرد الحراسة يقطع عليهم الحوار بصوت حاد: الزيارة انتهت ياست هانم
نرجس: حاضر ياشاويش؛ شد حيلك علشان تخرج .. ناس بتعزك فى انتظارك..
الحارة
المسيرة هذه المرة بدت وكأن هناك أنوارا تحفها فغطت على إضاءة الفوانيس المعلقة بالشوارع، وما هي إلاَّ لحظات، ولاحت البشائر بالظهور، فأقبل حملة الأعلام والبيارق يتبعهم عدد كبير من المجاذيب جاءوا من المدينة ومن القرى المجاورة، للمشاركة في الزفة، كان المشهد لافت للنظر، فهولاء المجاذيب لم يشاهدهم أحد من قبل، ولم يُعرف منهم إلاَّ الشيخ أبو الريش خادم مقام الشيخ جُبيَّر، والشيخ الكُرَّي خادم مسجد الشيخ عصفور، والشيخ أبو اللطائف خادم مسجد الشيخ أبو منديله، لترتفع الأصوات بالتهليلات والتكبيرات وكلمات المدد وسط المسيرة..
أما الشيخ على أبو قشاية، والشيخ صميدة فكانوا يسيرون تارة أمام حصان الخليفة، وتارة أخرى بجانبه..
الشيء الجديد في هذه المسيرة جاء في خروج النساء، فكانت نرجس وسعدية بين النساء اللائي خرجن للمشاركة، وما أن وصل الركب أمام حلقة حمدون حتى انطلق لسان سعدية ونطقت فقالت الله أكبر الله أكبر، فاحتضنتها نرجس وضمت رأسها إلى صدرها وقالت لها: حمدالله على سلامتك ياسعدية
أما ملقاط فكان حالهُ يدعو للعجب فقد التزم حصان الخليفة وسار بجواره ممسكا بلجامه، فسأله الشيخ صميدة: إيه ياملقاط بقيت من المجاذبب؟!
فقال ملقاط: كفاية ياشيخ صميدة اللي فات من العمر في المعاصي، ادعيلي ربنا يقبلني في خدمة أوليائه، ثم أخذ يردد وهو في حالة من الوصول “اللي غايب ماهش راجع، واللي قاعد ماهش عاجب .. مداااااد”
القلعة
ست سيارات بيدفورد موجودة على شاطئ النيل مباشرة خلف أسوار القلعة .. عزوز ينتظر الإشارة لنقل المخدرات إلى السيارات المتفق عليها.. المعلم دعدور أبو الروس: إيه ياريس حمدون نبدأ؟!
حمدون: يامعلم دعدور ظبط العمل أهم من العمل نفسه، هانطلع عربيتين نُضاف، ونستنى .. عدَّوا بسلام، تبقى السكة نضيفة، نبدأ نحمل البضاعة؛ اتمسكوا يبقى كنا متراقبين، تتحرك اللنشات بالبضاعة وتطلع من البوغاز تستقبل في الغريق…
المعلم سيد أبو ليلة: ياسلام على الدماغ الألماظ، الله ينور يابو رجب، ثم ينظر إلى دعدور، ويقول هو ده الكلام يامعلم دعدور….
حمدون: طلع العربيتين ياسبرتو
سبرتو: وَجَبْ ياريس
سبرتو: اطلع ياسطى متولى .. اطلع ياسطى عزيزة
حمدون: وراهم ياسبرتو، أول مايعدوا مصنع التلج تدينا الإشارة اللي اتفقنا عليها، خليك صاحي…
سبرتو: مصحصح ياريس
اليوزباشي رشدي وسط مجموعته من رجال المباحث يشاهد السيارتين فقال: حمدون بيختبرنا، ماشي ياحمدون، سيبوا العربيات تعدى
يتلقى حمدون الإشارة الإيجابية فقال: ياللا ياعزوز الطريق أمان
عزوز: تمام ياريس ..
بدأ عزوز وأطقم اللنشات في نقل البضاعة إلى السيارة الأولى، ثم إلى السيارة الثانية وهنا بدأت المجموعات في التحرك ليتم إحكام الكماشة حول المكان بالكامل..
يفقد حمدون أعصابه ويخرج سلاحه ويبدأ في إطلاق الرصاص
البكباشي الصيرفي عبر ميكرفون صغير يحمله: سلم نفسك ياحمدون، المكان محاصر .. لا داعي للمقاومة
حمدون: الصوت ده أنا سمعته قبل كده
دعدور: كمين ياحمدون..
البكباشي الصيرفي: سلم نفسك ياحمدون المكان محاصر
سيد أبو ليلة: الله يخرب بيتك ياحمدون ضيعتنا
هنا فقد حمدون الأمل في المقاومة، فحاول الهرب، لكن البكباشي الصيرفي قام بمطاردته داخل أسوار القلعة، حتى تقابلا وجها لوجه لتدور معركة بينهما، أشبعهُ فيها الصيرفي ضرباً، ثم كشف الصيرفي عن وجهه، فقال حمدون: انت ……؟!
البكباشي الصيرفي: البكباشي مصطفى ياسين الصيرفي من إدارة مكافحة المخدرات .. اللعبة انتهت ياحمدون وآن الآوان تدفع جزاء كل جرايمك اللي ارتكبتها ضد البلد وضد الشعب..
حمدون: اوعى تفكر انكم انتصرتوا، صحيح كسبتوا جولة، لكن اللي جاي مرار ……
البكباشي الصيرفي: البلد دي ولادة ياحمدون واحنا مبنخسرش ولا بنتكسر……..
كما ألقى اليوزباشي رشدي الطوبجي القبض على دعدور أبو الروس وهو يحاول الفرار بإلقاء نفسه في النيل، أما سيد أبو ليلة فقد سلم نفسه للشاويش شحاته أبو المعاطي دون مقاومة، ليسلم كل من كانوا باللنشات أنفسهم، وكذلك سائقي السيارات دون أدنى مقاومة..
قهوة معاطي
بعد صلاة العِشاء وقبل بداية فرقة الإنشاد في إحياء الليلة كانت نشرة أخبار السابعة يقدمها المذيع فهمى عمر والتي كانت عن مراسم تشكيل وزارة نجيب الهلالى، ومقابلات الملك، مع رئيس الوزراء والوزراء؛ وعند الساعة السابعة والنصف من يوم الأربعاء الثالث والعشرون من شهر يوليو عام ألف وتسعمائة واثنين وخمسين، قدم فهمى عمر أنور السادات، قائلا إليكم البيان التالي يقدمهُ مندوب القيادة البكباشي محمد أنور السادات..
عبده القهوجي: احنا زهقنا من البيانات ومن القيادة..
عباس سردينة: اهدا يامعلم عبده لما نشوف اللي اسمه السادات هوَّة كمان هايقول إيه.
السادات: البيان الأول للثورة “من اللواء محمد نجيب إلى الشعب المصرى، اجتازت مصر فترة عصيبة فى تاريخها الأخير من الرشوة والفساد وعدم استقرار الحكم، وقد كان لكل هذه العوامل تأثير كبير على الجيش، وتسبب المرتشون المغرضون فى هزيمتنا فى حرب فلسطين”….
لينقلب المشهد داخل قهوة معاطي إلى حالة من عدم التصديق بما سمعوا، فانطلقوا بين مكبر ومهلل، ومصفق
عباس سردينة: ياااااه أخيرا انزاحت الغمة من فوق صدورنا
عبده القهوجي وكل الحضور: الله أكبر .. الله أكبر
ليتفاجأ الجميع بسيارات الشرطة تمرَّ من الحارة في طريقها إلى مركز البوليس مطلقة أصوات السارينة الخاصة بسيارات البوليس، ليخرج عبده القهوجي وعباس سردينة وجميع من كانوا يستمعون لبيان الثورة، ليشاهدوا في اندهاش حمدون ودعدور وعباس سردينة وباقي أفراد العصابة، داخل سيارات الشرطة مكبلين بالقيود، لتنطلق الزغاريد من المنازل معلنة نهاية حقبة زمنية من تاريخ البلاد ومعلنة بداية ميلاد عصر جديد…