ساحة الرأيفن ومنوعات

محمد حراز يكتب الأشاير والبشاير .. الفصل الثالث عشر

 

لم يترك حمدون صيام الجبلاوي إلاَّ جثة هامدة بعد أن قام بالإجهاز عليه تماما، ولم يستعن بأحد من رجاله بعد أن فقد الثقة في كل من حوله، وحين هم بالإنصراف ألقى بنظرة أخيرة عليه فسمع حشرجة أنفاسه وهي تخرج، كأنه ثور انتهى صاحبه من ذبحه، فقال له: كده تتكل وسرك معاك ياجبلاوي…….

انصرف حمدون مطمئنا وفي يده السكين التي أجهز بها عليه، وما أن هبط من فوق الجبل وأصبح خلف مسجد أبو النور، اطمئن انه لم يراه أحد، فألقى بها وسط نهر النيل.

لكن القدر كان قد سبق وقال كلمته في المهد، أنه ليس هناك جريمة كاملة، فقد كان هناك من يتبعه منذ لحظة خروجه من الحارة حتى قتل الجبلاوي، ليصبح هو الشاهد الوحيد على الجريمة..

عاشت المدينة أجواءا من الحزن على فقدان الشيخ أحمد القللي وترحم عليه الصغير والكبير، وتذكروا كيف كان ينشر البهجة والطمأنينة بينهم..

وسرعان ما انتشر خبر مقتل صيام الجبلاوي، فلم يحزن عليه أحد ولم يترحم عليه احد، بل جاء خبر مقتله ليريح الناس من سطوته وجبروته وأذاه….

 

الحارة

حمدون: بساريه .. ولا يابساريه

بساريه: نعمين يامعلمي

حمدون: بسرعة روح للمعلم نعمة العرسة خليه يبعت الرجالة بالعدة، عايز صوان متعملش زيهُ قبل كده في البلد، ويبعت يجيب صَيِيِت من دسوق، علشان الضيوف اللي هاتيجى، عايز مكرفونات المَعْزَة تلعلع..

بساريه: ياسلااااام .. أصيل يامعلمي .. أصيل وصاحب صاحبك بصحيح.

حمدون: يااالا اتعلم .. الشهامة والرجولة بتبان في الظروف اللي زي دي، ثم الله يرحمهُ، انت عارف مالوش حد؛ يبقى صاحبهُ أولىَ بيه.. روح بسرعة وبطْل غَلبة

بساريه: طيران ع العِرسة يامعلمي..

المعلم عبده القهوجي: السلام عليكم .. البقية فى حياتك ياريس حمدون.

حمدون: حياتك الباقية يابو زينب اتفضل.

عبده القهوجي: كل يوم بتزيد غلاوة بمواقفك ورجولتك ياريس حمدون.

حمدون: تعيش يامعلم عبده اتفضل استريَّح.

عباس سردينة: البقية فى حياتك ياريس حمدون

حمدون: حياتك الباقية يابو زينب تعالى اتفضل..

لم تَمر ساعة إلاَّ وكان السرادق منصوبا ومزدحما بالذين جاءوا لتقديم واجب العزاء، في حضور بعض أقارب صيام الجبلاوي، فعائلته من العائلات الصغيرة بالبلدة..

ومن بين الذين جاءوا للعزاء حضر الشاويش شحاته عز العرب وهو أحد افراد الشرطة السرية، الذي لمح المعلم دعدور أبو الروس، والمعلم سيد أبو ليلة، وقد حاولوا إخفاء وجوههم بعباءات سوداء كبيرة، وكانوا قد اختفوا عن الأنظار لمدة طويلة عَقِب هروبهم من البوليس بعد الهجوم الذي وقع على مراكب الريس حمدون يوم القبض على صديق.

 

منزل نرجس

نرجس: شفتي يامه المَعْزَة اللي عاملها حمدون لابن الكلوب قتَّال القُتلَاّ..

أم نرجس: يابنتي ميجوزش عليه إلاَّ الرحمه

نرجس: رحمه .. رحمة إيه يامه، الله يجحمه مطرح ماراح

أم نرجس: حرام عليكي يابنتي، وبعدين مش حمدون ده انتي اللي وافقتي عليه

نرجس: والختمة الشريفة، عمره مايلمس شعرة فيا .. شوفي بينهم وبين بعض إيه…

أم نرجس: طيب ياللا حطي لنا العَشا علشان اتعشى واخد علاجي وانام

نرجس: إيه يامه هتنامي قبل ماتصلي العِشا

أم نرجس: دماغي تقيلة معرفش مالي .. هنام شوية وبعدين أقوم أصليها

 

مقام الشيخ سعدالله

بعد صلاة العشاء وداخل مقام الشيخ سعدالله، جلس الشيخ مرجان الطيار، وعلى أبو قشاية، والشيخ صميدة، يَقْرَؤُونَ وردهم اليومي المعروف بِوِردْ كشف الظلم، والذي يبدأ بقراءة سورة الإخلاص ثلاث مرات، وينتهي بتكرار الآية رقم ٢٧ من سورة الفرقان ثلاث مرات {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا} ويتخلل الورد قراءة آية الكرسي ثلاث وثلاثين مرة، مع تكرار الآية رقم ١٥ من سورة المؤمنون تسعين مرة..

على أبو قشايه بعد انتهاء الوِرد: ياشيخ صميده امتى بقى ربنا ها يورينا يوم في الظالم ده؟

الشيخ صميدة: أستغفر الله العظيم .. اصبر ياعلي، واستمع لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: «إن الله ليملي للظالم فإذا أخذه لم يفلته»..

الشيخ مرجان: واسمع ياعلي قول الله تعالى في سورة هود: «وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ».

فقال على أبو قشاية: يعني هانشوف يوم فيه قريَّب

ينظر الشيخ مرجان إلى على أبو قشاية ويضحك ويقول: أمِنوا ورايا .. اللهم عليك بالظالمين فإنهم لا يعجزونك .. حسبنا الله ونعم الوكيل .. اللهم يا مجيب الدعاء، نسألك بعزّتك وبقوتك أن ترينا في الظالمين عجائب قدرتك.

قالوا: آمين….

 

مركز البوليس

المأمور: ظهور دعدور؛ وسيد أبو ليلة في عزا الجبلاوي معناه انهم بدأوا يشعروا بالآمان ولو بصورة بسيطة، وده المطلوب في الوقت الحالي.

اليوزباشي رشدي: تمام يافندم.

المأمور للشاويش شحاته: ها توصل حالاً الصاغة تسدد السُلفة لحليم الجواهرجي، وبعدين تطلع على حمدون تعزيه وتشكره أنه ضمنك عند حليم .. عايزك تنقلي حالته وشعوره بالتفصيل، قلقان .. مبسوط؛ عايز كل تفصيلة في لقائك بيه، وتبلغني فورا.

الشاويش شحاته: تمام يافندم

المأمور: اتفضل..

بعد انصراف الشاويش شحاته..

اليوزباشي رشدي: ظهور دعدور وسيد أبو ليلة في عزاء الجبلاوي، وهما عارفين ان البوليس محاصر الصوان، تفتكر يافندم اللي حصل دا هايشجعهم أنهم يظهروا تاني؟!

المأمور: طبعا ودا المطلوب؛ خصوصا ان مفيش حد قربلهم..

اليوزباشي رشدي: لو رجعنا للخلف شوية يافندم، يوم الشيخ مرجان ماطلب يقابلني، وربطنا بين كلامه عن تورط نعناع في مقتل الشيخ سعدالله، لما قال أنه سمع واحد فيهم بيقول لزميله بسرعة يانعناع؛ لو ربطنا بين الكلام ده وبين وجوده لآخر العزا هوَّة وعزوز الفطاطري، هانقدر نعرف بسهولة مين اللي بينفذ جرائم القتل لحساب حمدون..

المأمور: معنى ذلك أننا لو ضيقنا دائرة البحث، وربطنا الأحداث ببعضها خاصة بعد مقتل الباشكاتب مظهر وإصرارهم (نعناع وعزوز) باتهام المزيَّرة نبقى حطينا إيدينا بالفعل على جميع مفاصل القضية

اليوزباشي رشدي: يبقى فاضل لنا جزء صغيَّر يافندم؛ لازم نتأكد منه الأول، وهو مدى العلاقة بين اعترافات صديق الأخيرة، وبين كلام بساريه قبل وبعد مقتل الجبلاوي، لو قدرنا نوصل للجزئية دي، يبقى حطينا إيدينا على القضية بالكامل.

المأمور: ممتاز يارشدي ودا اللي السيد وكيل النائب العام منتظرك علشانه الآن..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى