بقلم / محمود أيوب
ليالى القاهرة.. وصلاح منتصر
فى عام 2019 حصلت على دورة صحفية فى كتابة «المقال الصحفي» فى معهد الأهرام الإقليمى للصحافة، والذى كان يرأسه وقتها الكاتب الصحفى الأستاذ سامح عبدالله عضو الهيئة الوطنية للصحافة حاليًا، وكان يحاضر فيها أساتذة كبار لهم بصمة فى كتابة المقال.
وفى أول محاضرة للكاتب الصحفى صلاح منتصر، أخذ يعرض علينا قصة صعوده إلى الصحافة المصرية منذ الصغر، مرورًا إلى التحاقه ببلاط صاحبة الجلالة، وعرض علينا الخطوط العريضة لبدايات كتابة المقال الصحفى بكل أشكاله، وفى نهاية المحاضرة كان واجبًا علينا أن نكتب مقالًا صحفيًا وإرساله إلى المسئول لتقييمه، وفى ذلك الوقت كانت هناك انتخابات التجديد النصفى لنقابة الصحفيين، وبالفعل فكرت فى كتابة المقال عن مشاكل الصحفيين وكيف يمكن للأعضاء أن ينظروا إليها والعمل على حلها..
وبالفعل أخذت قصة صعود أستاذنا صلاح منتصر كبداية لكتابة المقال كجزء من المعاناة لكل من يفكر فى الالتحاق بالعمل الصحفى وصولًا إلى عضوية بلاط صاحبة الجلال… وبالفعل كتبت المقال وأرسلته إلى المسئولة للتعقيب ووضع ملاحظاته عليه فكتبت..
(لم أكن أتخيل وأنا أكتب أول مقالٍ لي، أن أكتب عن أكبر مشايخ المهنة، بل وأعمدتها الذين أسهموا بشكل كبير فى العمل الصحفي، وفى كتابة المقال بشكل خاص، خاصةً أننى أخذت عهدًا على نفسى ألا أكتب مقالًا إلا وأنا لدى الخبرة، التى تؤهلنى لكتابته.
لكن أستاذى الكبير، الذى ما زلت أراه أمامى وهو يتحدث عن مسيرته الشاقة، حتى أصبح صحفيًا كبيرًا وعلمًا من أعلام كُتَّاب المقال، ألهمنى الكتابة، ربما لا يعلم عن حياته الكثيرون، حيث فقد والدته وعمره ثلاث سنوات، ونعلم جميعًا من هى الأم حينما نفقدها، هنا لم يكن أمام والده سوى إرساله إلى شقيقته فى محافظة دمياط، وهى أسرة بسيطة الحال تعمل فى صناعة الحلوى.
كبر أستاذنا والتحق بالتعليم الابتدائى حتى مرحلة الثانوية، عشق صناعة الحلوى، وكان يتمنى أن يعمل بها، حتى أنه كان يستغل وقت الإجازات للعمل فى معمل الحلوى إلى أن أتقنها، لكن يشاء القدر أن يعود مرةً أخرى إلى حضن أبيه فى القاهرة، فى مرحلة الثانوية، كانت البداية حبه للقراءة والكتابة، ولمَ لا وبيت والده كان مليئًا بالكتب والمجلات الثقافية، فوالده رجل ثقافى من الطراز الرفيع، وكان دائمًا ما يقرأ له الجريدة، التى كانت تلقى تحت بابهم، أحب القراءة بشكل جنوني، لكن البداية الحقيقية، التى جعلته يفكر مرةً أخرى فى أن يعشقها قصة بسيطة مكتوبة على ورقة ملقاة على الأرض للكاتب الكبير إبراهيم الوردانى بعنوان: “ليالى القاهرة”، قرأها أستاذنا حرفًا حرفًا أذهلته، بل جعلته ينطق فى صمت: “ياااا سلام على الكتابة”، بعدها فكر فى أن يستمر فى قراءة كتاباته، لينتهى به المطاف أن يعمل فى مؤسسة أخبار اليوم لتكون البداية لكاتب كبير اسمه صلاح منتصر.
حكاية أستاذنا هى معاناة بمعنى الكلمة، لم يسع الرأي اليوم لأن أسردها بشكل مفصل، بداية من تركه للقاهرة وحتى عمله بمهنة الصحافة، التى نعرفها جميعًا بمشقتها، فوقتها كان هناك أساتذة كبار يخشاهم الجميع، فكان يكتب وتنشر له موضوعاته دون إمضاء اسمه عليها، وبعيدًا عن زمن الكبار، الذين عانوا فيه كثيرًا حتى أصبحوا كتابًا يقف لهم الجميع إجلالًا وتقديرًا لمكانتهم، ما زالت هذه المعاناة موجودة فى المهنة بشكل خاص وبين من يمتهنها ويمارسها بشكل عام، خاصة الشباب منهم، ما بين الطموح للتعيين والدخول إلى “بلاط صاحبة الجلالة”، وما بين شباب هم بالفعل أعضاء، لكن مازالت مأساتهم مستمرة، ولن أتحدث عنها، فالحديث عن مشاكلها لا تعد ولا تحصى، وجميعنا يعرفها، ولكن ما أتمناه ونحن على أعتاب انتخابات نقابة الصحفيين على مقعد النقيب وستة من أعضاء المجلس، أيًا كان من يأتى أن يغلقوا على أنفسهم فور انتهاء الانتخابات ويفتحوا جميع الملفات التى تخص أعضاء “صاحبة الجلالة” دون النظر إلى توجهاتهم وحساباتهم الشخصية.. هكذا كان مقالي)..
رحم الله الكاتب الصحفى الكبير صلاح منتصر، الذى وافته المنية بعد صراع مع المرض.