قاضٍ مصرى الممارسات الدولية عرفت ” الإحتلال المؤقت ” لكنها لم تعرف ” الإحتلال المطول” سوى للأراضى الفلسطينية منذ نشأة المنظمة الدولية !
يخلط كثير من الإعلام العربى والمصرى ما هو معروض على محكمة العدل الدولية فى جلسات أسبوع الاستماع , حيث يعتقد خطأ أن المعروض هو سرد جرائم الإحتلال الإسرائيلى على الأراضى الفلسطينية أو قضية جنوب إفريقيا حتى أن بعض المواقع المصرية (الأهرام) وقعت فى نفس الخطأ بعنوان (جلسات الاستماع العلنية بشأن الممارسات الإسرائيلية في غزة) على حين أن المعروض على العدل الدولية مختلف تماماً ,إذ يتناول مسألتين فقط محل طلب الرأى الاستشارى للعدل الدولية , بمفردات دقيقة فى علم القانون الدولى العام عن الضم الفعلى والقانونى والاستيطان والإحتلال المطول وعواقبه على المجتمع الدولى.
ولتنوير العقل العربى والمصرى وعلى هامش الدراسة المتميزة التى أعدها المفكر والمؤرخ القضائى القاضى المصرى الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة بعنوان (انهيار المنظومة الأممية واختلال ميزان العدل الدولى ضد الشعوب المسلمة – قراءة فى أحكام العدل الدولية النظيرة) يتناول فيه الفقيه المصرى الإجابة على الرأى الاستشارى الأول وجوهره مدى قانونية إجراءات الضم الفعلية والقانونية التي تتخذها إسرائيل، واستمرار الاستيطان والإحتلال المطول للأراضي الفلسطينية المحتلة الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة منذ عام 1967, ومدى مخالفة الإحتلال للقانون الدولي خاصة حق تقرير المصير وتشريعات إسرائيل التمييزية , وجوهر الثانى عن الوضع القانونى للإحتلال والأثار القانونية والعواقب والتبعات التي ستنشأ على جميع الدول والأمم المتحدة من وضع هذا الإحتلال ؟
ونعرض للجزء الأول من دراسة الفقيه المصرى فى ثلاث نقاط : الممارسات الدولية عرفت ” الإحتلال المؤقت ” لكنها لم تعرف ” الإحتلال المطول” سوى للأراضى الفلسطينية منذ نشأة المنظمة الدولية ! وبعد انتصار الجيش المصرى أكتوبر 1973 , أنشأت الأمم المتحدة عام 1975 لجنة لحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره , ولم تفعل شيئاً سوى المؤتمرات وتجديد ولايتها كل عام! وإسرائيل عدوانية بادرت بالهجوم على مصر عام 1967 بحجة الدفاع الاستباقي مما جعل إحتلالها اللاحق للأراضى المصرية غير قانوني وحطمه الجيش المصرى بعد 6 سنوات ونالت أرض فلسطين النصيب الأوفر من العدوان كماً وكيفاً وزمناً .
أولاً : الممارسات الدولية عرفت ” الإحتلال المؤقت ” لكنها لم تعرف ” الإحتلال المطول” سوى للأراضى الفلسطينية منذ نشأة المنظمة الدولية !
يقول الدكتور محمد خفاجى إن الممارسات الدولية عرفت فى التاريخ ” الإحتلال المؤقت ” لكنها لم تعرف ” الإحتلال المطول” سوى للأراضى الفلسطينية , فالتاريخ وهو المعمل والمختبر الإنسانى عرف الإحتلال الذى لا تزيد مدته عن أربع أو خمس سنوات، ومثالها إحتلال ألمانيا لبلجيكا لمدة أربع سنوات خلال الحرب العالمية الثانية الذى بدأ في 28 مايو 1940 عندما استسلم الجيش البلجيكي للقوات الألمانية واستمر حتى تحرير بلجيكا من قبل الحلفاء الغربيين ما بين سبتمبر 1944 وفبراير 1945. وكانت هذه هى الثانية التي احتلت فيها ألمانيا بلجيكا في أقل من ثلاثين عامًا. ومثاله كذلك إحتلال ألمانيا للنرويج لمدة خمس سنوات في الحرب العالمية الثانية , حيث بدأ الإحتلال الألماني للنرويج خلال الحرب العالمية الثانية فى 9 أبريل عام 1940، بعد قيام القوات الألمانية باجتياح هذا البلد الإسكندنافي المحايد تحت مسمى عملية “فيزروبونغ” وذلك كإجراء وقائي ضد أي غزو بريطاني- فرنسي من شأنه أن يضرب حصاراً على ألمانيا بالإضافة إلى تأمين خام الحديد الذي تقوم ألمانيا بإستيراده من السويد .
ويضيف على أكثر الأحوال لم تتجاوز مدة الإحتلال 10 سنوات على الأكثر مثل الإحتلال الأمريكي لليابان، عند نهاية الحرب العالمية الثانية فى سبتمبر 1945حتى توقيع معاهدة السلام فى سان فرانسيسكو 8 سبتمبر 1951 ودخلت حيز النفاذ 28 أبريل 1952، واحتلال الحلفاء لألمانيا الغربية فى مارس 1945 ، بين عامي 1945 و 1949 وهي المرحلة ما بين انهيار ألمانيا النازية في نهاية الحرب العالمية الثانية وتأسيس الدولتين الألمانيتين، والإحتلال الأمريكي للعراق من
المدة 2003 حتى 2011 .
ويؤكد الدكتور محمد خفاجى لذا يعد قيام إسرائيل ب” الإحتلال المطول” للأراضى الفلسطينية هو الأطول فى تاريخ نشأة المنظمة الدولية , ويرتمى فى حمأة عدم الشرعية الدولية , وغير قانونى بما يخالف قواعد ومبادئ القانون الدولي،وميثاق الأمم المتحدة؛ واتفاقية جنيف الرابعة؛ والقانون الدولي الإنسانى ؛ وقرارات مجلس الأمن والجمعية العامة ومجلس حقوق الإنسان ذات الصلة؛ وفتوى محكمة العدل الدولية ذاتها الصادرة فى 9 يوليه 2004.
ثانياً : بعد انتصار الجيش المصرى أكتوبر 1973 , أنشأت الأمم المتحدة عام 1975 لجنة لحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره , ولم تفعل شيئاً سوى المؤتمرات وتجديد ولايتها كل عام!
ويذكر الدكتور محمد خفاجى بعد انتصار الجيش المصرى على إسرائيل 6 أكتوبر 1973 , أنشأت الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1975 بموجب قرارها رقم 3376 لجنة لحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره والاستقلال والسيادة الوطنية، وعودتهم إلى ديارهم وممتلكاتهم التي نزحوا منها ، وخلال الأعوام الفائتة لم تفعل شيئاً سوى المؤتمرات وتجديد ولايتها كل عام! ففي عام 1975 أنشأت الجمعية العامة للأمم المتحدة لجنة مكونة من 20 عضوًا معنية بممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه غير القابلة للتصرف لإعداد برنامج تنفيذي لتمكين الفلسطينيين من ممارسة الحقوق المعترف بها في القرار 3236 الذي اعتمدته الجمعية العامة في عام 1974 . أهمها “حق الفلسطينيين غير القابل للتصرف في العودة إلى ديارهم وممتلكاتهم التي شردوا واقتلعوا منها ”
ويشير قد تم الانتهاء من تقرير اللجنة وتوصياتها ورفعها إلى الأمين العام لإحالتها إلى مجلس الأمن في يونيو 1976 , ومنذ ذلك الحين على مر السنين لم تفعل اللجنة شيئاً يذكر لحل قضية فلسطين وحقه فى تقرير المصير سوى عقدها لاجتماعات ومؤتمرات دولية وإجراء برامج تدريبية و تقديم تقارير سنوية ! وتعقد في 29 نوفمبر كل عام اجتماعاً خاصاً للاحتفال باليوم الدولي للتضامن مع الشعب الفلسطيني ! كأن الإحتلال الإسرائيلى للأراضى الفلسطينية أصبح حقيقة غير قابلة للتبديل ومجرد ذكرى متجددة لا ينتهى مع مرور الزمان ! , ثم تقدم اللجنة تقاريرها إلى الجمعية العامة عن تنفيذ ولايتها من خلال تقريرها السنوى وتجديد ولاية أخرى فى عجلة الزمن! , هذا للأسف كل ما تفعله اللجنة التى أنشأتها الأمم المتحدة على مسرح العبث الدولى .
ثالثاً : إسرائيل عدوانية بادرت بالهجوم على مصر عام 1967 بحجة الدفاع الاستباقي مما جعل إحتلالها اللاحق للأراضى المصرية غير قانوني وحطمه الجيش المصرى بعد 6 سنوات ونالت أرض فلسطين النصيب الأوفر من العدوان كماً وكيفاً وزمناً
ويقول الدكتور محمد خفاجى للدلالة على موقف إسرائيل العدوانى دائماً , فإن إسرائيل هاجمت مصر أولاً في عمل عدواني، مما جعل الاحتلال اللاحق غير قانوني. وفي اجتماع مجلس الأمن في عام 1967، رُفضت حجة الدفاع الاستباقي عن النفس باعتبارها تتعارض مع ميثاق الأمم المتحدة. وقد استندت إسرائيل في حججها في الدفاع عن النفس إلى سببين: الأول أن الحصار الذي فرضته مصر على مضيق تيران كان بمثابة عمل من أعمال العدوان؛ والثانى أن أفعالها جاءت ردًا على هجمات عبر الحدود شنتها طوابير مدرعة مصرية.
ويؤكد الفقيه المصرى الحقيقة أن الحصار الذي فرضته مصر على مضيق تيران كان في الأساس حصارًا مصريًا على بحرها ومياهها الإقليمية ردًا على تهديد بهجوم من إسرائيل، وهو ما يختلف عن الحصار المفروض على موانئ أو سواحل إسرائيل, لذا فإن المادة 51 من الميثاق تسمح بالتحضير للدفاع عن النفس بقولها ” ليس في هذا الميثاق ما يضعف أو ينتقص الحق الطبيعي للدول، فرادى أو جماعات، في الدفاع عن أنفسهم إذا اعتدت قوة مسلحة على أحد أعضاء الأمم المتحدة وذلك إلى أن يتخذ مجلس الأمن التدابير اللازمة لحفظ السلم والأمن الدولي، والتدابير التي اتخذها الأعضاء استعمالاً لحق الدفاع عن النفس تبلغ إلى المجلس فورا، ولا تؤثر تلك التدابير بأي حال فيما للمجلس – بمقتضى سلطته ومسئولياته المستمرة من أحكام هذا الميثاق – من الحق في أن يتخذ في أي وقت ما يرى ضرورة لاتخاذه من الأعمال لحفظ السلم والأمن الدولي أو إعادته إلى نصابه.”
ويختتم لا ريب أن التدابير التحضيرية التي تتخذها الدولة دفاعاً عن النفس تشمل تدابير احترازية خاصة في مياهها الإقليمية , وقد أعلنت وزارة الخارجية الإسرائيلية حينها بأنها هاجمت مصر بشكل استباقي، قائلة: “استبقت إسرائيل الهجوم الحتمي، وضربت القوات الجوية المصرية بينما كانت طائراتها لا تزال على الأرض”. ولأن الضربات الاستباقية محظورة ، فإن الهجوم الإسرائيلي على مصر يرقى إلى مستوى الاستخدام غير القانوني للقوة، مما يجعل الإحتلال اللاحق غير قانونى وهو ما حطمه الجيش المصرى العظيم بعد 6 سنوات من هجوم إسرائيل الاستباقى غير المشروع , وهو دليل على أن إسرائيل دولة عدوانية فى منطقة الشرق الأوسط ونالت أرض فلسطين النصيب الأوفر من العدوان كماً وكيفاً وزمناً .