“تهريج فكري”.. الدكتور آمان قحيف يكتب: حول إنكارهم الإسراء والمعراج
حول إنكارهم الإسراء والمعراج
من يعجز عن الارتقاء يكون أكثر عرضة للسقوط ، ومن لا يقدر على التفكير العلمي يلجأ إلى “التهريج الفكري”.. هذا بالضبط ما يمكن أن يقال على ما يفعله الإعلامي إياه.
والواضح أن هذا الإعلامي يفتقد القدرة والمقدرة على التفكير العميق والتحليل الدقيق، كما أنه يعجز عن ممارسة الإبداع الفكري الذي رأيناه ولمسناه عند كثير من نوابغ الباحثين والدارسين والعلماء السابقين .
ولما كان صاحبكم هذا من أكثر الناس حرصًا على أن يظل في “الترند” ويبقى في واجهة الصورة بأي شكل من الأشكال، ولاشك أنه على دراية تامة وعلم يقيني بأنه من أعجز الناس عن ممارسة الإبداع وتقديم الجديد الذي يجعله في المقدمة.
من هنا فقد أدرك أنه لا مجال لبقائه في واجهة الصورة أو صدارة المشهد إلا عبر الإقدام على ما نسميه ” التهريج الفكري ” وما نقصده ب” التهريج الفكري”، في أبسط معانيه، هو أن يتناول الشخص مسألة معينة بالسخرية والتطاول، ويعمل على تفريغها من مضمونها الراقي ويحاول تحميلها مضمونًا تافهًا لا معنى له ولا قيمة، وهذا لا يفعله إلا من يعجز عن التحليل، ويفتقد المقدرة على البحث والتنقيب.
وتأسيسًا على ما فات يحرص هذا الإعلامي على إثارة الناس، واستفزازهم، واستنفارهم ضده بين الحين والآخر؛ وذلك عبر الاستهزاء بمقدساتهم كل فترة، أو التطاول على مفاهيمهم الإيمانية مرة تلو الأخرى، ويسوق لهم خطابًا يعمل على تشكيكهم في قناعاتهم الدينية حيث ينصب له مناحة بين وقت وآخر.
وينخدع هذا المأفون ، حيث يتخيل أنه ناجح ومؤثر في عمله خاصة عندما يشعر أنه قد نجح في خداع بعض السذج أو ذوي القصور الفكري، أولئك الذين ينصب لهم فخًا بعد فخ لنزع ثقتهم في دينهم وموروثهم الروحي .
من هنا ذهب صاحبكم هذا إلى السخرية ، والاستهزاء ، والتطاول على معجزة الإسراء والمعراج مؤخرًا، فهو ينكر هذا الحدث الجلل ويعمل على تفريغه من قيمته ومحتواه، وكان أبرز ما ذهب إليه هو إنكار حدوث المعراج جملة وتفصيلًا، والحق أن هذا أمر لم يذهب إليه تيار أو فرقة من التيارات أو الفرق الإسلامية على تنوع مشاربهم المنهجية وتباين أطروحاتهم الفكرية.
خلاف العلماء لم ينكر حدوث المعجزة
إن أقصى ما وقع من خلاف بين تيارات الفكر الإسلامي في هذا السياق هو أنه قد ذهب بعض العلماء ، إلى أن المعجزة لم تقع بالجسد والروح مخالفين بذلك جمهور العلماء، ورأوا أنها كانت بالروح فقط ، أو كانت رؤيا منامية فحسب .. لكن أحدًا منهم لم ينكر وقوعها بالكلية أو على إطلاقها، كما يفعل صاحبكم هذا.
واللافت في الأمر أن كل عالم من العلماء السابقين كان يدافع عن رؤيته للقضية، ويبين وجهة نظره فيها بشكل علمي، فيجتهد أنصار كل فريق في جمع الأدلة العلمية التي تؤيد رأيهم وتدعم رؤيتهم وتزكي وجهة نظرهم في الموضوع، بينما صاحبكم هذا لا يأتي بدليل ولا يقدم برهانًا على ما يزعمه أو يحاول الترويج له، وهو يسعى إلى إخفاء عجزه هذا بأن يسخر، ويستهزئ، ويتطاول على المعجزة الكبرى، ليستفز الناس ضده ، ويثير حنقهم عليه، بالتالي يصبح جزءًا من أحاديث الرأي اليومس ، ومادة يلوكها المتحاورون في أغلب الأماكن، ونتصور أن هذا يسعده، ويبهجه، ويرضيه، حتى لو ذكره الناس بما لا يقبله العقلاء، أو حتى لو تحدثوا عنه بما لا يرتضيه الأحرار الشرفاء.
رأي جمهور العلماء في الإسراء والمعراج
وننوه إلى أن ما عليه جميع علماء أهل السنة والجماعة ويتفق عليه معهم أكثر علماء الشيعة، هو أن هذه المعجزة وقعت بالروح والجسد؛ ذلك لأنها لو كانت بالروح دون الجسد أو كانت رؤيا منامية ما احتج عليها كفار قريش لأنه لا أحد يحتج على الرؤى المنامية أو التفاعلات الروحية، ومما يفيد كونها حدثت للنبي بالروح والجسد أيضًا أن الرسول شرب من ماء قافلة وحرك غطاءه، وأخبر قافلة أخرى بمكان جمل ندَّ أو فلت منهم وابتعد عنهم، ولقد أكد القوم عند وصولهم إلى مكة هذا الكلام الذي أبلغ الرسول به أهلها قبل أن تصل إليهم هذه القوافل في الصباح، ومن الأدلة الدامغة أيضًا على حدوث الإسراء بالروح والجسد أن قريشًا طلبت من الرسول أن يصف لهم المسجد الأقصى، وهم طلبوا منه ذلك لإحراجه بعد أن أخبرهم أنه صلى بالأنبياء هناك في ليلته هذه .
الشاهد هنا أن المسلمين الأوائل يعترفون بالإسراء والمعراج وإن اختلفوا على كونه كان روحًا وجسدًا أم كان روحيًا أو مناميًا فقط .. وهذا ما ينفي ويبطل ما يزعمه هذا الموهوم الذي يذهب إلى نفي حدوث المعراج تحديدًا .
ليس مثل هذه الأمور تدار على شاشات التلفاز
ونود التنويه إلى أن هذه القضايا ليس محلها الإعلام، وليس مجالها الفضائيات ، لأن خطاب الإعلام والفضائيات موجه لعموم الناس، بينما القضايا التي من هذا النوع يجب أن تناقش في قاعات المحاضرات واللقاءات الفكرية ليكون الحوار بين المتخصصين في الأمر والعالمين بجذور القضية .. ورحم الله الإمام الغزالي ( ٤٥٠- ٥٠٥ هجرية ) الذي كان في المسجد يعظ الناس فيتكلم فيما هو من باب الترغيب والترهيب، وإذا انتقل إلى علم العقيدة قال ما معناه : من له في علم التوحيد فليجلس ومن ليس له فيه فلينصرف .. إن الغزالي كان يدرك أن لكل مقام مقالة وأن لكل متاقي ما يناسبه .. لكن من أين لصاحبكم بهذا الوعي وهو كل مايعنيه ويهدف إلى تحقيقه – إذا أخذنا الأمر بمحمل حسن – هو البقاء في الترند لأطول فترة ممكنة ما استطاع إلى ذلك سبيلا ؟.
يمكنك الآن متابعة موقع الرأي عبر هذا الرابط