تحقيقات وملفات

تجريف الأراضي الزراعية وتحويلها لملاعب كارثة تهدد الرقعة الخضراء في المنيا | تقرير

تقرير: محمد علي

باتت الأراضي الزراعية داخل محافظات مصر مهددة ما بين الحين والآخر بالإنقراض التام، وابتكر الأهالي العديد من الحيل للتحايل على القانون لتدميرها وتشويه معالمها بالكامل.

 

وكان من أبرز هذه  الحيل التي انتشرت داخل محافظات مصر ومن بينها محافظة المنيا، هي إقامة الملاعب الرياضية، والتي انتشرت بصورة لافتة حقًا للنظر وابتلعت في داخلها جزءًا  كبيرًا من الرقعة الخضراء بالمحافظة، والتي يصعب تعويضها في الوقت الحالي وسط صمت تام وتجاهل من قبل الأجهزة المعنية.

 

ورصدت عدسات موقع “الرأي” الثورة الهائجة للملاعب الخاصة على الأراضي الزراعية بمحافظة المنيا، وانتشارها بصورة ملفتة جدًا للأنظار، حيث تم إقامة العديد من الملاعب الرياضية الخاصة وصالات الأفراح بجوارها وشون الرمال والزلط وإقامة المنازل.

تبوير الأراضي الزراعية الخصبة داخل محافظة المنيا وتحويلها إلى ملاعب عشوائية لكرة القدم للشباب أصبح في الوقت الحالي واقعًا لا يمكن تجاهله في كل قرى ونجوع المحافظة، فلم تعد تخلو قرية في المحافظة من ملعب أو أثنين على الأراضي الزراعية.

وتلك الظاهرة انتشرت مؤخرًا  في جميع القرى والنجوع بالمنيا، وتفاقمت معالم هذه الأزمة بعد ثورة 25 يناير لعام 2011م، إذ أنتهز رجال الأعمال ظروف الفلاح وحاجته للمال في الإستحواذ على الأراضي الزراعية وإستغلالها بطرق غير مشروعة، مما أدى إلى تبوير آلاف من الأفدنة من الأراضى الزراعية لإنشاء ملاعب عشوائية للشباب, مقابل تأجيرها بالساعة أو بالمباراة أو بالدورة، مما يدر دخلاً كثير يوميًا على أصحاب تلك الأراضي، كما أنه تتم زراعة الأرض سنة كاملة بأي من المحاصيل الزراعية وفي النهاية لا يتم الحصول على أي تكاليف تم إنفاقها، ما دفع الفلاحين إلى تبوير الأرض لعمل ملاعب عشوائية من أجل المكسب السهل السريع دون أي عناء ومشقة.

وبالرغم من أن محافظة المنيا، تمتلك ما يقرب من 158 مركزًا للشباب، إلى جانب بعض الأندية فى بعض المدن، إلا أنها لم تتمكن أن تحدّ من الحملة الهوجاء على الأراضي الزراعية لإقامة الملاعب الخاصة، والتي تزايدت بشكل في غاية البشاعة، والتى ساهمت بصورة سلبية مقيته فى تبوبر عشرات الأفدنة من الزراعات بحجة تفريغ طاقات الشباب الكامنة.

وأصبح للملاعب العشوائية شركات متخصصة لتغطية الأرض بالترتان ” النجيل الصناعي ”  وإقامة غرف خلع الملابس والإضاءة وغيره، وأن المساحة الخضراء التي تصلح لعمل الملعب تكون عادة 4222 مترًا، وذلك كي تسمح بلعب فريقين كل فريق يتكون من 5 أفراد، وقد ترك الفلاحون مهنتهم، وإتجهوا إلى إقامة الملاعب فالمكسب يفوق الخيال ويصل صافي الربح شهريًا إلى 25 ألف جنيه بأقل مجهود وفى أقصر وقت.

أن عدد الساعات التى يتم تأجير الملعب فيها خلال اليوم تصل في بعض الأحيان إلى 10 ساعات ليكون إجمالي المتحصل من إيجار ساعات اليوم ما يقرب من 800  جنيه فى المتوسط ، أي ما يزيد على 24 ألف جنية شهريًا يدفع منها 5 آلاف جنيه ثمنًا لوقود المولد الكهربي وأجرة العمال ويتبقى 17 ألف جنية صافي ربح، وهو ما يعادل دخل الفدان على مدار عام كامل  .

وأكدت مصادر بديوان عام محافظة المنيا لجريدة “الرأي“، بأن هناك تلاعبًا بين مسئولي المحليات في مجالس المدن والوحدات الريفية، وبين مسئولى حماية الأراضى الزراعية بمديرية الزراعة بالمحافظة، وأنهم يتقاضون رشاوى من أجل إغماض أعينهم عن هذه المخالفات، لافتةً إلى أنها إزدادت بصورة كبيرة، حتى أصبح الآن لا تخلو قرية من وجود ملعب أو أكثر.

وأردفت المصادر، بأن الملعب الواحد يتكلف من 250 ألفًا إلي 300 ألف جنيه ويؤدي إلي بوار نحو نصف فدان من أجود أنواع الأراضي الزراعية، فضلا عن إتلاف المساحات المجاورة له نتيجة تسرب مياه الصرف الصحي من داخل «الطرنشات» التي تمت إقامتها لخدمة الكافيهات التي تم إقامتها بجواري الملاعب لخدمة اللاعبين والمتفرجين .

يقول توني الهلالي، أحد منسقى إقامة الملاعب الخاصة بالمحافظة، إن مراكز الشباب الموجودة فى عدد من القرى  حكومية، ولكنها إدارية بعد أن تم القضاء على الفناءات الموجودة بالمدارس، والتي كانت  تساعد مع مراكز الشباب.

وأضاف الهلالي، أنه نتيجة عجز الحكومة فى توفير أراض لإقامة مراكز للشباب دفع العديد من المواطنين بالقرى إلى إقامة الملاعب الخاصة، رغم أن تكلفة الملعب الواحد يتكلف ما بين 400 و500 ألف جنيه، شاملة الشباك والإنارة وأعمدة الكهرباء والأرضيات الخضراء سواء كانت صناعية، أو طبيعية.

وأكد الهلالي لـ”الرأي” ، أن الملاعب الخاصة تهدف لشيئين، الأول قضاء أوقات الفراغ للشباب، والثانى أنها تدر دخلاً لأصحابها، ونتيجة البطالة والحالة الإقتصادية المتردية دفعنا إلى  إيجار الملعب بالساعة تصل ما بين 25 جنيهًا و50 جنيهًا فى بعض الأوقات تصل إلى 75 جنيهًا.

وتابع قائلاً : هناك ملاعب خاصة تصل مساحتها  إلى فدانين  من الأراضى الزراعية لأنها تشتمل على حمام سباحة كافتيريا وكافيهات وملاعب للبلياردو والشطرنج وغيرهما من الألعاب الرياضية المتنوعة.

وأشار الهلالي، إلى أن لجوء المواطنين لإنشاء الملاعب الخاصة، نتيجة إهمال الدولة للرياضة والاهتمام بالشباب أو عدم وجود مراكز شباب كافية مع تدهور الأحوال الاجتماعية للمواطنين.

من جانبه قال وليد أبو جريشة، أحد أصحاب الملاعب الخاصة، “عملنا ملعبًا خاصًا من جيبنا الخاص بعد ما استأجرنا قطعة أرض على نهر النيل رغم أنها أملاك خاصة إلا أن الكهرباء تدفعنا غرامات ومحاضر تصل إلى 10  آلاف جنيه إلى جانب محاضر الإزالة من الحكومة بحجة إقامة منشآت ملحقة بالملاعب”.

وأضاف أبو جريشة، أن لعب كرة القدم بمفرده غير مربح لكن يتم إنشاء كافتيريات وبعض الألعاب الأخرى، حتى نستطيع دفع إيجار الأراضى أو مصاريف تغيير النجيلة الصناعية أو تركيب كشافات إضافية وشبابيك يتم تغييرها  كل 6 أشهر.

كما أكد مندى عكاشة، وكيل مديرية الشباب والرياضة بالمنيا، أن عدد الملاعب الخاصة يتعدى 140 ملعبًا خاصًا ، وغير مرخصة وغير قانونية، وأنه أرسل خطابات للمحليات أنها مخالفة للوائح وغير معتمدة ، ان ملاعب الترتان الخماسية والسباعية المخالفة لا تخضع لسلطة الشباب والرياضة بالمحافظة لأنها ملكية خاصة لبعض الأشخاص ومقامة بطرق عشوائية لا تتطابق مع مواصفات إنشاء الملاعب.

وتابع مندي قائلاً : 158 مركزًا للشباب كافية لكن الظروف الاقتصادية والاجتماعية  وسعى الشباب  فى البحث عن عمل ووظائف، دفع أعداد كبيرة لإقامة ملاعب خاصة إلى جانب نقص الميزانيات المخصصة لتطوير مراكز الشباب وليس فى مقدور المديرية القيام بالتطوير إلا بموافقة وزارتى لتخطيط والشباب .

تتم إنارتها بكشافات عملاقة من خلال سرقة التيار الكهربائي، كما تستهلك المياهً بدون تركيب عدادات في ذلك غياب دور أجهزة الزراعة والمحليات التي تعمل كأنها في جزر منعزلة علي مستوي المحافظة، حيث لا تتعدي نسبة الإزالة 20% من هذه الملاعب التي تتم إقامتها مرة ثانية علي نفس المساحة، رغم القرارات والتعليمات المشددة من اللواء السيد عصام البديوي محافظ كفرالمنيا بسرعة تنفيذ قرارات الإزالة للمباني والملاعب وتشوينات الرمال وقاعات الأفراح المخالفة التي أقيمت علي الأراضي الزراعية في غفلة من القانون .

يري عدد من الرياضيين والشباب أنها المتنفس الوحيد لهم لقضاء رياضتهم المفضلة في ظل سوء حالة مراكز الشباب واقتصار بعضها علي الأنشطة الاجتماعية فقط، بينما يري أصحاب الأراضي وصغار رجال الأعمال أن الملاعب تحولت الي «بيزنس» أو مشروع مربح بعدما وصل تأجير الساعة الي 80 جنيها نهارا ـ بدون إضاءة ـ و 120 جنيها للعب ليلا تحت الأضواء الكاشفة.

فيما أكد بعض المسئولين بالشركة القابضة لمياه الشرب والصرف الصحي بالمنيا أن هذه الملاعب غير مرخص لها بتوصيل المياه وأن المسئولين بالوحدات المحلية والزراعة يقومون بملاحقة هذه الملاعب التي صدرت لها قرارات الإزالة ، لافتا إلي قيام لجنة بحصر عدد الملاعب المخالفة علي مستوي المحافظة حتي يتم إلزامها بدفع غرامات مالية كبيرة مقابل التوصيل العشوائي للمياه.

الغريب والمثير أن الشباب يطالبون بعدم الاقتراب من هذه الملاعب أو إزالتها رغم أنها مخالفة، مطالبين بإزالة تعديات المباني والعمارات والمشروعات التجارية والمصانع التي أقيمت علي الأراضي الزراعية، قبل إزالة هذه الملاعب المخالفة، مع ضرورة إنشاء ملاعب مماثلة تكون تابعة للشباب والرياضة بكل قرية أو حي لضمان ممارسة الشباب لكرة القدم، مؤكدين أن هذه الملاعب أصبحت المقصد الرئيسي للشباب لممارسة لعبة كرة القدم.

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى