أ. د. جمال عبد ربه يكتب: رسالة شعب مصر للأحابيش (٢)
تحادثت وفي مكالمة مطولة مع أحد خبرائنا بمجال المياه في مشكلة السد الإثيوبي ومدي تأثيره علينا وتفاجأت بأن سيادته غير متوتر كما هو حالي، فسألته عن سبب أريحته تلك فأجاب؛
بداية إسمحلي نقرأ الفاتحة علي روح الزعيم الخالد جمال عبدالناصر في ذكري ثورة يوليه المجيده وأحد ثمارها السد العالي أحد منشآت القرن طبقا للهيئات العالمية التي قدمت خدمات جليلة للبشرية وحمي مصر من سنوات الجفاف وأضاف مساحات كبيرة للزراعة، فترحمت عليه وقرأنا الفاتحة،
ثم قلت وماذا بعد بداية؟ فقال بالعامية؛ إنت عايز إيه تاني؟ فقلت عايز جواب علي سؤالي فقال؛ يا سيدي أنا جاوبتك، فازداد عجبي وتعجبي وطلبت توضيحا فقال؛
سيدي الفاضل لدينا ببحيرة سدنا العالي ما يكفينا لعامين دون نقطة واحدة ترد من إثيوبيا فقلت وكيف يستقيم ذلك؟ هل سننتظر حتي نستنزف ماء بحيرتنا كله؟ فاستنكر سؤالي ورد وهل يتوقف نزول المطر علي إثيوبيا كل عام؟
فادعيت عدم فهمي للسؤال فقال؛ قامت أثيوبيا واستغلالا للظروف التي مررنا بها العقد المنصرم برفع حائط السد والذي وصل الآن لسبعين مترا وبالتالي خزن خلفه ٥ مليار متر مكعب كما اعترفوا بعد انكار، فهل توقف ورود الماء لنا؟ فقلت لا؛ الماء يمر الآن عبر الفتحة الموجودة بأعلي السد والتي عرضها ١٢٠ متر تقريبا بمعدل يزيد عن ٣٠٠ مليون متر يوميا بخلاف ٢٠ مليون متر يوميا من بوابات التصريف الأربعة وسيستمر ذلك حتي نهاية سبتمبر وبذلك يتم جريان النهر وصولا لتغذية بحيرة السد العالي وتعويض ما يفقد منها، فقال؛ لقد أجبت علي نفسك،
فقلت وماذا لو تركناهم يرفعوا حائط السد في فترة انحسار المياه في اكتوبر القادم حيث لا يستطيعوا التعلية أثناء مرور المياه بالطبع؟
فأجاب سيرفعوه طبقا للمخطط ٣٠ متر أخري ليصل لارتفاع ١٠٠ متر وساعتها سيخزن خلفه ١٨ مليار متر مكعب وحينها سيتكرر الأمر ذاته مرة أخرى مع موسم الأمطار الجديد في يوليه حيث يمر الماء الزائد من فوق سطح الحائط ومن الفتحات حتي بداية أكتوبر (هذا علي فرض أننا لم نطلب وبدون حرب من الشركات العاملة التوقف عن أعمال تعلية السد وسحب معداتها باعتبار المنطقة متنازع عليها لحين الوصول لاتفاق يرضينا وما يستتبع ذلك من ارتفاع رسوم التأمين بقدرات تفوق إمكانيات الدولة المنفذة)،
فقلت وبفرض أننا تركناهم وللمرة الثالثة يعيدوا الكرة ويحاولوا رفع حائط السد للارتفاع النهائي المستهدف وهو ١٤٥ متر؟ فقال أنت مصر يا دكتور علي إرهاقي، فأجبت؛ إن سألتك عن شيئ بعدها فلا تجبني قد بلغت من لدني عذرا،
فأجاب سيتكرر ما حدث في العام السابق ويأتي الماء بانحداره محاولا المرور فيتفاجأ بأن السد قد ارتفع لمستوي أعلي من المائة متر ووصل ل ١٤٥ فيظل الماء يرتفع ويرتفع خلف جسم السد محاولا العبور فلا يجد له مخارج إلا من خلال التوربينات الموجودة بالأعلي فيمر منها مولدا طاقة لاثيوبيا مارا في طريقه ليروي عطش السودان ويعوض ما نقص من ماء بحيرة الزعيم ناصر وحيث يكون السد قد وصل لكامل سعته التخزينية المقدرة ب ٧٤ مليار متر مكعب.
فقلت إذا يا دكتور فمعني ذلك أنهم سيحجزون عنا الماء؟ فأجابني ضجرا؛ يا دكتور الماء لا بد أن يمر من التوربينات ليولد الكهرباء الذي يسعون له وكذلك سيستمر خروج الماء من فتحات التصريف طوال العام للحفاظ علي جسم السد،
وأخيرا كن متأكدا أنهم لن يستطيعوا حجز المياه عنا لأنه لا بد من تصريف كمية الماء المخزنة خلف جسم السد قبل قدوم الفيضان في يولية التالي وإلا انهار،
فقلت شكرا جزيلا معالي الدكتور؛ الآن فهمت سبب أريحيتك وعدم تناولك لأقراص خفض الضغط مثلي، وودعته،
ثم حادثت نفسي بناءا علي تلك المكالمة متسائلا؛ ما هي أوراق الضغط التي لدينا في هذا الملف والتي تجعلنا نتصرف بأريحية عالمنا الكبير؟ فوجدتها تتلخص في الآتي؛
١- طلب التوقف من الشركات العاملة بالمشروع عن تعلية السد عن هذا الحد (٧٠) مترا باعتبار هذه منطقة نزاع ودون اللجوء للحرب فهم لن يستطيعوا تعلية شبر واحد إلا بعد انحسار الماء لمستوي أقل من ٧٠ متر بفعل توقف الأمطار في نهاية سبتمبر المقبل وهذه نقطة قوة في صالحنا حيث أنهم لم يوفوا بوعودهم.
٢- لدينا ورقة ضغط أخري وهي المخزون الاستراتيجي من المياه خلف سدنا العظيم والتي تمكننا من التفاوض بأريحية والوصول لاتفاق يرضينا تماما.
٣- أنهم لن يستطيعوا الاحتفاظ بالكمية المخزنة خلف السد طوال العام فموسم الأمطار يبدأ عندهم في يوليه ولا بد من تصريف المياه المخزنه قبل هذا التاريخ وإلا انهار السد بفعل مياه الموسم الجديد.
وأخيرا أقول إننا نحن المصريون بتاريخنا الضارب في القدم لسنا دعاة حرب ولكننا لها إن فرضت علينا وأمننا القومي بدوائره المختلفة ليس محل مزايدات
حفظ الله الجيش،،، حفظ الله الوطن