أحكام قضائية حذرت المجتمع من الإبتزاز الإلكترونى عبر الشوشيال ميديا حفظاً للأعراض
بعض الأحكام القضائية المصرية لم تقتصر على مجرد تقرير الحق لصاحبه بل تتمتع برؤية مستقبلية تتعدى طرفى النزاع , خاصة إذا كانت الواقعة المعروضة عليه تمثل رأياً عاماً يمس جموع الناس عبر السوشيال الميديا وأهمها على الإطلاق ظاهرة الإبتزاز الإلكترونى الجنسى عبر السوشيال ميديا حفظاً للأعراض والتى يروح ضحيتها أرواح الأبرياء خوفاً من تأثير الإبتزاز الإلكترونى على سمعتهم , ومثل تلك الأحكام التى تعالج الظواهر الاجتماعية الخطيرة يجب الوقوف أمامها طويلاً من المجتمع ليتشارك فى المسئولية سواء من العلماء المختصين بمعالجة السلوك الإنسانى أو من وسائل الإعلام أو منظمات المجتمع المدنى أو من الأجهزة المعنية بشئون المرأة , بقصد إبراز الجانب المضئ منها للناس لتحقيق الردع العام .
ونعرض لأهم حكمين صادرين من دائرة الفحص بالمحكمة الإدارية العليا خلال ثلاث سنوات مضت , حذرت المجتمع من الإبتزاز الإلكترونى عبر الشوشيال ميديا حفظاً للأعراض ! وأكدت فيهما المحكمة على أن أسوأ أنواع وباء العصر الإبتزاز بالعنف المشوه للمرأة نفسياً المهدد للحياة وضحيته أرواح الأبرياء, وأن التخلّف الثقافي والتدهور التعليمي والتربويّ بمثابة الأرضية الثقافية للمجتمع التي تُشرّع إبتزاز المرأة، وتوفّر الحماية والمبرّراتِ للجاني لمكانته ,ويجب على وسائل الإعلام والمؤسسات المعنية بشئون المرأة ومنظمات المجتمع المدني دور كبير فى مواجهة الإبتزاز الإلكترونى حفظاً للأعراض.
أولاً : الحكم القضائى الأول يتعلق بالإبتزاز الإلكترونى من إمراة ضد رجل
1-ادعت عليه بأنه يبتزها بغرض إقامة علاقة غير مشروعة معها كذباً عبر الميديا وانقلب السحر على الساحرة
ومن بين هذه الأحكام الحكم الأول صادر من دائرة الفحص بالمحكمة الإدارية العليا برئاسة المستشار صلاح هلال نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية المستشارين الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى ومحسن منصور نائبى رئيس مجلس الدولة بجلسة 23 يناير 2021 فى الطعن رقم 27508 لسنة 64 ق.عليا وكانت الواقعة تتعلق بقيام المتهمة الطاعنة (ش.ح.م) وتعمل باحث قانونى بمديرية الشباب والرياضة بالجيزة بالتشهير بالمشكو فى حقه (ش.ع.م) مدير مركز شباب كفر نصار تتهمه زوراً بتهديدها بإقامة علاقة غير مشروعة معها للتهرب من سداد مبلغ 11 ألف جنيه اقترتضها منه بحجة مرضها واستولت عليها بل ادعت عليه بهتانا بأنه يبتزها بغرض إقامة علاقة غير مشروعة معها على غير الحقيقة عبر الميديا وانقلب السحر على الساحرة فأضحت هى التى تبتزه قاصدة القاء الرعب والخوف فى نفسه حتى تتهرب من سدادها مبلغ القرض وأساءت من أقرضها قرضا حسناً وَجَاءت عليه بإدعاء كذب وسولت لها نفسها أمراً فاعتصم بالله وصبرَ صبرُ جميل وجاء الشهود بحسن خلقه واصفون حتى تبين أنه برئ من هذا الابتزاز براءة الذئب من دم بن يعقوب, ويكون عقابها بوقفها عن العمل لمدة شهر صحيحاً ويتعين رفض طعنها .
2- التهديد الخادش للشرف يستوى فيه الكتابة أو شفاهة بواسطة شخص أخر
قالت المحكمة إنه نظرا لخطورة الابتزاز أو التهديد على المجتمع فقد جرَم المشرع المصرى في قانون العقوبات وفقا للمادتين 326 و 327 منه كل من حصل بالتهديد على اعطائه مبلغاً من النقود أو أى شئ أخر ورصد له عقوبة عند اكتماله وأخرى عند الشروع فيه , كما جرَم كل من هدد غيره كتابة بارتكاب جريمة ضد النفس أو المال معاقب عليها بعقوبة مشددة أو بافشاء أمور أو نسبة أمور مخدوشة بالشرف وكان التهديد مصحوبا بطلب أو بتكليف بأمر, وكذلك إذا لم يكن التهديد مصحوبا بطلب أو بتكليف بأمر وكل من هدد غيره شفهيا بواسطة شخص أخر بمثل ما ذكر سواء أكان التهديد مصحوبا بتكليف بأمر أم لا , وكل تهديد سواء أكان بالكتابة أم شفيها بواسطة شخص أخر بارتكاب جريمة لا تبلغ الجسامة المتقدمة .
3- لا يهم الأسلوب الذي يصاغ فيه الابتزاز أو التهديد طالما قصد ترويع الضحية
وأضافت المحكمة أن التهديد يتحقق بمجرد توجيهه لإحداث أثر الخوف والقاء الرعب في نفس من وجهت إليه , ولا عبرة بالأسلوب أو القالب الذي تصاغ فيه عبارات التهديد متى كان المفهوم منها أن من وجهها قد قصد ترويع المتلقى على أداء ما هو مطلوب. ذلك أن المشرع في المادة 327 عقوبات نص على عقاب كل من هدد غيره كتابة بارتكاب جريمة ضد النفس أو المال – إذا كان التهديد مصحوباً بطلب أو بتكليف بأمر – لم توجب بصيغتها العامة أن تكون عبارة التهديد دالة بذاتها على أن الجانى سوف يقوم بنفسه بارتكاب الجريمة إذا لم يجب إلى طلبه، بل يكفى أن يكون الجانى قد وجه التهديد كتابة إلى المتلقى وهو يدرك أثره فى حيث إيقاع الرعب فى نفسه وأنه يريد تحقيق ذلك الأثر بما قد يترتب عليه أن يذعن راغماً إلى إجابة الطلب بغض النظر عما إذا كان الجانى قد قصد إلى تنفيذ التهديد فعلاً أم لا , ومن غير حاجة إلى تعرف الأثر الفعلى الذى أحدثه التهديد فى نفس الضحية .
4- التلصص الإلكترونى على الحياة الخاصة للمواطنين بدأ يتفشي في المجتمع المصرى نتيجة إساءة استعمال وسائل التواصل الاجتماعي وضعف الوزاع الدينى والخلقى
وسجلت المحكمة في حكمها أن انتشار ظاهرة الإبتزاز الإلكتروني حديثا التى بدأت بالتفشي في المجتمع المصرى عن طريق وسائل الاتصال مع المبتزين في وسائل التواصل الاجتماعي بأشكالها المختلفة فيسبوك وتويتر-X- وانستجرام وغيرها مما تكشف عنه الوسائل الحديثة نتيجة إساءة استعمال وسائل تكنولوجيا العصر وضعف الوزاع الدينى والخلقى والتى تبدأ بعملية تهديد بنشر صور أو فيديو أو معلومات شخصية و حساسة إذا لم ترضخ الضحية لطلبات المبتز التى تدور حول دافع الانتقام للتشفى أو دفع مبالغ مادية أو التهرب من سداد دين أو القيام باعمال غير مشروعة أو القيام بأعمال منافية للأخلاق أو الافصاح عن معلومات سرية والتى تُستخدم فيها ارسال البرامج الخبيثة التى تمكّن المبتز من حرية الوصول إلى معلومات جهاز الضحية و ملفاته, أو اتلاف الملفات القائمة , أو حجز هذه الملفات رهينة عن طريق تشفيرها لجعل الضحية يرضخ لطلباته مما يتعين معه وجوب الحذر حفظا لسمعة العائلات مع الشدة اللازمة لكل من تسول له نفسه التلصص الإلكترونى على الحياة الخاصة للمواطنين .
ثانياً : الحكم القضائى الثانى يتعلق بإبتزاز العنف الجنسى من رجل ضد إمرأة
ومن هذه الأحكام المضيئة الحكم الثانى أصدرته دائرة الفحص بالمحكمة الإدارية العليا برئاسة المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية المستشارين محسن منصور وشعبان عبد العزيز نائبى رئيس مجلس الدولة بجلسة 30 أغسطس 2022 فى الطعن رقم 47445 لسنة 64 ق.عليا ويتعلق بواقعة قيام المتهم (أ.ك.ع) المدرس بإحدى مدارس للغات بأسيوط بتحرير قصاصة ورقة وضمنها عبارات بذيئة غير لائقة وتخدش الحياء تعف المحكمة عن ذكرها لقذارتها فى حق زميلته (م.ح.ف) المُدرسة بذات المدرسة وألصقها على سيارتها الخاصة أثناء توقفها وقام بتصويرها وهو ما ثبت فى حقه بموجب تقرير إدارة أبحاث التزييف والتزوير بأسيوط بمصلحة الطب الشرعى بوزارة العدل بعد استكتابه بأن الخط المحرر به قصاصة الورق السالفة هو خطه وعباراته صادرة من يده ,وهى عبارات مسيئة ومشينة وخادشة للحياء تمس بشرف وكرامة تلك السيدة و تمثل سباً و قذفاً و تشهیراً بها , وتحض على العنف الجنسى ضد المرأة , وتكون مجازاته بالوقف عن العمل لمدة شهر صحيحاً ويتعين رفض طعنه .
1-المرأة عانت طويلاً من العنف وأسوأ أنواع الإبتزاز الإلكترونى العنف الذى يشوه داخل المرأة نفسياً كإنسان فيهدد الحياة وضحيته أرواح الأبرياء
وقالت المحكمة إن المرأة قد عانت طويلاً من العنف ضدها , وترتب على الثورة الاجتماعية تجريم العنف ضد المرأة في المجتمعات المعاصرة، بيد أن العنف ضد المرأة مازال قائماً تحت صور ومسميات شتى من صناعة روح العصر العاجز عن مواجهة العنف الذي تارة يقتل المرأة , وأسوأ أنواع الإبتزاز الإلكترونى هو العنف الذى يشوه داخل المرأة نفسياً وبدنياً كإنسان ليصبح العنف ضدها وباء العصر لا بُراء منه ، حتى بات أخطر أنواع العنف ضد المرأة هو ذلك العنف المهدد للحياة وتكون ضحيته أرواح الأبرياء .
2- يجب مواجهة ثقافة العنف ضد المرأة تحت أى ستار سواء ثقافة متوارثة أو عادات أو تقاليد اكتسبها أفراد المجتمع حول المكانة الاجتماعية للصادر منه العدوان
وأضافت المحكمة يجب على المجتمع ككل مواجهة ثقافة العنف ضد المرأة تحت أى ستار سواء ثقافة متوارثة أو عادات أو تقاليد اكتسبها أفراد المجتمع حول المكانة الاجتماعية للصادر منه العدوان ووضعه في موضع السلطان والقوة والتسلط والتفكير الذكورى الذي يقلل من شأن المرأة ويهمش دورها الأسرى والمجتمعى في معظم الأحيان , ذلك أن التخلّف الثقافي والتدهور التعليمي والتربويّ بمثابة الأرضية الثقافية للمجتمع التي تُشرّع إبتزاز العنف الجنسى ضد المرأة، وتوفّر الحماية والمبرّراتِ للجاني، من خلال التربية التي يتلقّاها المعتدى فى أسرته وبيئته ومجتمعه والتي تصوّر له تحليل فعل العنف وكأنّه أمر طبيعي .
3- وسائل الإعلام والمؤسسات المعنية بشئون المرأة ومنظمات المجتمع المدني لها دور كبير فى مواجهة الإبتزاز الإلكترونى حفظاً للأعراض
واختتمت المحكمة أنه مما يستنهض عدل هذه المحكمة فى بسط الحماية للمرأة خاصة فى بيئة العمل كلما وقع عليها عنفاً نال من كرامتها وخدش حيائها , فيحظر ارتكاب أيّ فعل عنيف من الرجل ضد المرأة تدفعه إليه شهوة الانتقام بما يترتب عليه ثمة أذى أو معاناة للمرأة ولو على سبيل الاحتمال ، سواء من الناحية الجسمانية أو النفسية. وعلى وسائل الإعلام والمؤسسات المعنية بشئون المرأة ومنظمات المجتمع المدني دور كبير فى مواجهة الإبتزاز الإلكترونى والعنف حفظاً للأعراض وسمعة العائلات ومكانتها فى المجتمع.